فجّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مفاجأة ثقيلة بإعلان سحب الجزء الأكبر من قواته في سوريا. وأوعز، أمس، إلى وزير دفاعه سيرغي شويغو بالبدء بسحب الوحدات الروسية من سوريا اعتباراً من اليوم، بعد انتهائها من تنفيذ مهماتها. وقال، خلال لقاء مع وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع «إن المهمة التي كلفت بها وزارة الدفاع والقوات المسلحة قد نفذت بشكل عام، لذلك آمر بالبدء بسحب الجزء الرئيسي من وحداتنا العسكرية في الجمهورية العربية السورية اعتباراً من يوم الثلاثاء». وأعرب بوتين عن أمله بأن «بدء سحب القوات الروسية من سوريا سيشكّل دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية في جنيف».
الخطوة الروسية منسقة مع دمشق وتمت دراستها منذ فترة
كذلك كلف بوتين وزير الخارجية «بتعزيز المشاركة الروسية في تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية».
الإعلان الروسي جاء بعد مكالمة هاتفية، بين الرئيسين الروسي والسوري، اتفقا خلالها على الانسحاب، وهو ما أعلنته الرئاسة السورية، في بيانها، مرجعة السبب إلى «النجاحات التي حقّقها الجيش بالتعاون مع سلاح الجو الروسي في محاربة الإرهاب، وعودة الأمن إلى مناطق عديدة في سوريا، وارتفاع وتيرة المصالحات ورقعتها في البلاد». ورغم إعلان الانسحاب الروسي، وبدء سريان مفعوله اليوم، أشار بوتين إلى أن القوات الروسية ستبقى في ميناء طرطوس وفي قاعدة حميميم الجوية.
وأجرى بوتين اتصالاً آخر بالرئيس الأميركي باراك أوباما، ناقش معه الأزمة السورية. وأبلغ بوتين أوباما القرار الروسي بالانسحاب بعدما استكملت «المهمات الأساسية» في مكافحة الإرهاب. وأكّد الرئيسان تكثيف العملية من أجل تسوية سياسية للصراع السوري، وعبّرا عن دعمهما لمحادثات «جنيف 3».
وعلّق المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، على كلام بوتين، بأن «الحكومة الشرعية السورية ستواصل جهودها في مكافحة الإرهاب بعد سحب القوات الروسية»، لافتاً إلى أن «تفاصيل قرار السحب ستُحددها وزارة الدفاع».
وأكّد أن العسكريين الروس في القاعدة البحرية في محافظة طرطوس وفي قاعدة حميميم «سيواصلون أنشطتهم، وسيحمون هاتين القاعدتين جوّاً وبرّاً وبحراً، بموجب تعليمات الرئيس».
وعلى الخط المواجه لدمشق، رأى عضو «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة، منذر ماخوس، أن القرار الروسي «سيغير المعادلة في سوريا برمتها»، واصفاً خطوة بوتين بـ«الصاعقة»، التي ستقلب عملية تسوية الأزمة السورية وستعطي الفرصة أمام الحل السياسي.
من جهته، رأى وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، الخطوة الروسية «ضغطاً على نظام الأسد ليقدم، في نهاية المطاف، على المشاركة بكامل جديته في مفاوضات جنيف».
وعلى خط موازٍ، ومع انتهاء اليوم الأول من «جنيف 3»، قال مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، إن سوريا تواجه «لحظة الحقيقة»، وذلك خلال افتتاحه أولى الجولات الثلاث من المباحثات، التي تهدف إلى التفاوض على «الانتقال السياسي والتوصل إلى خريطة طريق واضحة لمستقبل سوريا، إن لم تصل الأطراف إلى اتفاق».
وأشار إلى أنه «لا توجد خطّة بديلة إلا بالعودة إلى الحرب»، طالباً الاستماع إلى جميع الأطراف، محذراً، في الوقت نفسه، من أنّه لن يتردد في طلب تدخل القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة وروسيا إذا تعثرت المحادثات. وانتقد دى ميستورا الخطابات العلنية المتبادلة بين الأطراف المشاركين في المفاوضات، معتبراً أن «مفاوضات ومحادثات السلام دائماً ما تبدأ بتصريحات قوية أو رنانة».
وعن جدول أعمال المفاوضات، أكّد أنه «وُضع استناداً إلى القرار الدولي 2254» دون أن يذكر أي تفاصيل إضافية. وتابع: «إن الاجتماع الأول كان تحضيرياً، وسيُعقَد اجتماع آخر مع وفد الحكومة، يوم الأربعاء يركّز على القضايا الرئيسية». وبدأ دي ميستورا اجتماعاته، صباح أمس، مع الوفد الحكومي السوري برئاسة ممثل دمشق لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، ومن ثم اجتمع مع الممثل السياسي لـ«جيش الإسلام»، محمد علوش.
بدوره، وصف الجعفري المحادثات بـ«الإيجابية والبناءة»، مشيراً إلى أن الوفد قدّم «وثيقة بعنوان العناصر الأساسية للحل السياسي» إلى دي ميستورا.
في موازاة ذلك، رأى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن اقتراحات قيام النظام الفيدرالي، في سوريا، تأتي في إطار «المزايدات فقط»، مشدّداً على أن الشعب السوري هو وحده من يختار نظام الدولة.
ولفت إلى أن وقف إطلاق النار لا يزال مستمراً، رغم بعض الخروقات، مشيراً إلى أن التصريحات «الراديكالية» لبعض الأطراف المشاركة في الحوار السوري ــ السوري في جنيف، لا تساعد في التوصل إلى اتفاق. وأضاف أن التسوية السياسية للأزمة في سوريا، يجب أن تراعي مصالح كل الأطراف بالتوافق بين الحكومة وجميع المعارضين.