الخرطوم ــ «الأخبار»مع إصرار الحكومة السودانية على المضي في سياساتها الاقتصادية المُجحِفة بحق المواطن، بدأ الشارع السوداني مستسلماً لموجة الغلاء التي اكتسحت كل السلع والبضائع. ورغم قدرة النظام في الخرطوم على إحكام قبضته الأمنية على العاصمة السودانية ومعظم المدن الكبرى وتراجع حدة التظاهرات، يرى البعض أن حكومة الإنقاذ وإن كانت لا تزال مسيطرة على الحكم إلا أنها سقطت لدى الشعب وباتت مسألة إزاحتها عن كرسي السلطة مسألة وقت ليس إلا.
يقول عبدالله م. (مواطن خمسيني من الطبقة المتوسطة)، إنه ينتظر الشهرين المقبلين ليرى ماذا ستفعل الحكومة بعد أن تفشل سياستها الاقتصادية التي أعلنتها أخيراً، والتي لن تصمد أكثر من شهرين في رأيه.
ويضيف بنبرة غاضبة «الإنقاذ التي تمنّن المواطنين بأنها وفرّت الطعام ستسبّب انهيار الدولة السودانية». وأخذ الرجل يسرد إخفاقات الحكومة الحالية في شتى المجالات، ويعتقد جازماً أن كيان الدولة السودانية سينهار بعد أقل من ثلاثة شهور في حال استمرت الحكومة الحالية.
وإذا كان هذا هو رأي المواطن البسيط في الشارع، يسود أيضاً اعتقاد واسع لدى المحللين بأن الحكومة الحالية آيلة الى زوال، لا سيما بعد أن قتلت الأجهزة الأمنية والشرطة المواطنين بسبب خروجهم في التظاهرات، إذ يرى المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية في جامعة «وستمنستر» البريطانية، عبدالوهاب الأفندي، أن النظام آيل إلى السقوط بسبب تناقضاته وفشله، وأن هناك توافقاً بين غالبية الشعب على كراهية النظام. لكن الأفندي عاد ليوضح عدم توافق هؤلاء الكارهين على البديل، إضافة الى وجود قلة متحمّسة تؤيد النظام وقد تقف معه حتى النهاية ما لم تخاطب بخطاب تصالحي. وتطرق الأفندي خلال حديثه الى «الأخبار» إلى موقف القوات المسلحة مما يحدث، وقال «من غير المعروف أين ستقف القوات المسلحة والقوات الأمنية، هذا مع وجود فصائل مسلحة خارجة على النظام لها طموحات سياسية، ما يعني أنه حتى لو سقط النظام فسيكون هناك أكثر من فصيل مسلح»، متسائلاً «من دون توافق هؤلاء، أيّ حكومة انتقالية سيؤيدون؟ وهل سيواصلون القتال أم لا؟».
وحتى تنجح الثورة على النظام الحالي في السودان لا بد أن يعيش حالة من العزلة التامة، على حدّ قول الأفندي.
تأتي تلك التطورات في وقت يعيش فيه الجيش السوداني حالة من التململ نتيجة سياسات الحكومة الإقصائية لغير المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم. لذلك فمن غير المستبعد أن تميل القوات المسلحة الى جانب مطالب الشارع.
وفي رأي الأفندي أيضاً، فإن الجيش قد يسحب دعمه للنظام، ولكن قد تبقى جيوب أمنية وميليشيات تؤيد النظام. كذلك فإن المعارضة، وتحديداً الفصائل المسلحة، لم تصدر حتى الآن موقفاً واضحاً بدعم الجيش في حال قرر أن «ينحاز إلى الشعب».
ويرى أن شروط نجاح الثورة تتطلب وحدة شعبية وتوافقاً كبيراً لا بد أن يشمل الجيش وقطاع مهم من مؤيدي النظام، ومن دون ذلك لن تكون هناك ثورة ناجحة، بل حرب أهلية وتفكك الدولة كما حدث في بلدان أخرى».
ومن الواضح أن تداعيات المواجهات الأخيرة بين الحكومة السودانية والشارع، بفعل رفع الدعم عن الوقود، ستؤثر بشكل كبير على شعبية الأداء الحكومي في المرحلة المقبلة، لأنها تكشف عن تآكل مصداقيتها أمام الناس، وعدم تقبّلهم لتقديم لأيّ تنازلات أخرى في سبيل تحسين الأداء الاقتصادي.
ولأن السبيل السلمي لتغيير الحكومة الحالية التي يغلب على تكوينها حزب المؤتمر الوطني المنخفض الشعبية، هو في الاستحقاق الانتخابي المقبل في عام 2015، فإن المخاوف من إجراء انتخابات صورية ومجيّرة لمصلحته، قد تعزز من حالة الرفض والتمرد السائدة الآن في الشارع السوداني، لا سيما في أوساط الشباب والنقابات المهنية، وهو ما قد يقود البلاد بأكملها الى المواجهة.
والشاهد على انسداد الأفق السياسي أمام هذا الحزب عدم توافره حتى على إرادة لإجراء عملية إصلاح حزبي داخلي، وإعلانه قبل ساعات إجراءات محاسبية وعقابية ضد بعض المنتسبين إليه الذين يطالبون بالاصلاح.
ويبدو أن سيناريو الحرب الاهلية والصومله قد يكون أحد سيناريوات المستقبل السياسي في السودان، خصوصاً أن النظام جيَّش المواطنين وأنشأ الكثير من الفصائل الموالية له تحسّباً لأي معارك قد يضطر النظام إلى خوضها للذود عن كرسي الحكم.
ويسود اعتقاد واسع بأن حزب المؤتمر قد يلجأ الى نشر الفوضى في حال دنت ساعة رحيله عملاً بمبدأ «أنا أو الفوضى».
ويبدو أن الحكومة جرّبت تلك السيناريوات في الأحداث الأخيرة، فقد تعتمد سحب قوات الشرطة والقوات النظامية الأخرى أثناء أعمال الحرق والتخريب التي استهدفت عدداً من المنشآت في أول يوم للتظاهرات حتى تُرهب الشارع وتُجهض أي محاولة للخروج والتظاهر، وبالتالي لتُفقد المتظاهرين أي تأييد أو تعاطف من المواطنين. كذلك تبدو فرص بقاء النظام ضعيفة في ظل انهيار الأنظمة الإسلاميّة في المحيط العربي.