القاهرة | جاءت موافقة مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون رئيس الجمهورية لتنظيم «الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية في الأماكن العامة، والتعبير عن الرأي بشكل سلمي ودون الإخلال بنظام الأمن»، في ما عُرف باسم «قانون التظاهر»، لتكون بمثابة خطوة جديدة نحو مزيد من القمع وكمّ الأفواه، لما تتضمنه من شروط قاسية تجاه حرية التعبير أو التظاهر أو الاعتصام، في ظل صمت كبار الساسة والقوى الثورية. القانون المتوقع أن يصدر مرسوماً جمهورياً للعمل به خلال ساعات، نوقش بالصيغة نفسها تقريباً التي نوقشت أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي كان ينوي تطبيقه كما هو لإحكام قبضته وجماعة «الإخوان المسلمين» على الدولة، غير أن قصر مدة حكمه لم تسمح له بإقراره، وفق ما أكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار».
من أهم ملامح قانون التظاهر الجديد أن للمواطنين الحق في تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية والانضمام إليها غير حاملين سلاحاً، وذلك وفقاً للأحكام والضوابط المنصوص عليها في هذا القانون، ومن خلال إخطار كتابي لقسم أو مركز الشرطة التي يقع في دائرته مكان الاجتماع العام أو مكان بدء سير المواكب أو التظاهرة السلمية. ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة السلمية بأربع وعشرين ساعة على الأقل، على أن يتضمن الإخطار بيانات ومعلومات عن خط سير المظاهرات وموعد بدايتها ونهايتها وبيان بموضوع التظاهر.
ويحظر القانون الاجتماع العام أو تسيير المواكب أو التظاهر في أماكن العبادة، وهو ما يعد وسيلة شرعية لمواجهة مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. ويحظر القانون على المتظاهرين حمل أي أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة أو ارتداء الأقنعة أو الأغطية التي تخفي ملامح الوجه، فيما لا يجوز أن يترتب على التظاهرة السلمية الاعتصام أو المبيت في أماكنها أو الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاءهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم، أو قطع الطريق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي، أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة أو تعريضها للخطر.
وفي حالة خروج التظاهرة عمّا أقرّه القانون من ضوابط، فمن حق قوات الشرطة فضّ تلك التظاهرة من خلال توجيه إنذارات شفهية من القائد الميداني بواسطة مكبرات الصوت، وفي حالة عدم الاستجابة تستخدم المياه المندفعة ثم الغازات المسيلة للدموع، فيما لا يجوز لقوات الأمن استعمال القوة بأكثر من ذلك إلا في حالات الدفاع الشرعي عن النفس أو المال، فتستخدم الهراوات.
كذلك لا يجوز للمتظاهرين تجاوز مقار المجالس التشريعية أو مقار مجلس الوزراء والوزارات والمحافظات أو مقار المحاكم والنيابات والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية أو مقار أقسام ومراكز الشرطة ومديريات الأمن والسجون والأجهزة والجهات الأمنية والرقابية والأماكن الأثرية، بما يزيد على مئة متر من حرم تلك المقار.
حسين عبد الرازق، عضو لجنة الـ50، انتقد في حديث إلى «الأخبار» إصدار مثل هذا القانون الذي يمس الحريات، قبل إقرار الدستور الذي لم يتبق على الاستفتاء عليه وإقراره سوى ما يقرب من 3 أشهر، كي لا يكون مخالفاً له. وعقّب على تحديد مساحة 100 متر كحرمة لمقار مؤسسات الدولة قائلاً: لا توجد مؤسسة تابعة للدولة يحذوها 100 متر خالية ليجري التظاهر على بعد منها، وبالتالي فهذا يعدّ مزيداً من تقييد الحريات.
بدوره، انتقد المحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أحمد عبد ربه، القانون، في حديث إلى «الأخبار»، قائلاً إنّ قيوده كثيرة جداً وتعوق تنظيم التظاهرات، وهو المكسب الأساسي الذي انتزعه الشعب من ثورة «25 يناير»، مؤكداً أنه سيجري استغلاله أسوأ استغلال في ظل الثقافة الأمنية المصرية.
كذلك أكد رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، نجيب جبرائيل، أنه سيرفع دعوى أمام مجلس الدولة لإيقاف ذلك القانون الى حين إصدار الدستور، مخاطباً الدولة بأنه إن كان المقصود من ذلك القانون هو جماعة «الإخوان»، فقانون الطوارئ كاف، متسائلاً «كيف يصدر قانون قبل إصدار الدستور الذي قد يكون غير متوافق معه؟»، مشيراً إلى أن «هذا القانون يمسّ جانباً كبيراً من الحريات، واقترح مناقشته بعد انعقاد المجلس التشريعي أولاً».
القانون لم يثر حفيظة الساسة أو القوى الثورية، الذين سبق أن عارضوه أثناء حكم مرسي، والتزم القادة الصمت، فيما خرجت الصفوف الثانية والثالثة بتصريحات مهللة ومؤيدة، أسوة بمناصري العسكر، حيث أشاد البرلماني السابق مصطفى بكري بموافقة الحكومة على قانون تنظيم التظاهر، مؤكّداً ضرورة تطبيق القانون على الجميع بكل حسم وقوة.
وأوضح بكري أن قانون التظاهر الذي وافقت عليه الحكومة هو نفسه القانون الذي أعدّه «الإخوان المسلمون»، مشيراً إلى أن الشارع المصري سيراقب الحكومة ومدى التزامها بتطبيق القانون منذ اللحظة الأولى.
بدوره، طالب «رئيس حزب الإصلاح والتنمية»، محمد أنور السادات، مجلس الوزراء بسرعة إصدار قانون التظاهر المعروض عليه الآن، خصوصاً بعد تزايد أحداث العنف والإرهاب، على أن يكون الهدف من القانون «حماية التظاهر وليس كمّ الأفواه أو مصادرة حرية الرأي والتعبير، وتأكيد واجب الدولة في حماية هذا الحق».
وشدد السادات في حديث إلى «الأخبار» على ضرورة تنظيم مسألة الاعتصامات بحيث تجري في ميادين محددة وغير قريبة من الوزارات والهيئات والأماكن السكنية، مع الالتزام بأن يبدأ الاعتصام من 8 صباحاً وينتهى في حد أقصى الساعة 8 مساءً، كما يحدث في جميع أنحاء العالم «كي لا تتحول الميادين إلى معسكرات تؤوي البلطجية والخارجين على القانون».