كشفت صحيفة «هآرتس» عن مفاوضات سرية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، جرت في الشهر الماضي، وتمحورت حول إعادة تدريجية للسيطرة الأمنية للأجهزة الفلسطينية، على مدينتي رام الله وأريحا، كمرحلة أولى في الضفة المحتلة، على أن يجري توسيعها إلى مدن أخرى في حال نجاح هذه الخطوة. ونقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية مطلعة، قولها إن «تل أبيب اقترحت على السلطة أن يوقف الجيش عملياته في المناطق المصنفة (أ) باستثناء الحالات التي يجري الحديث فيها عن قنبلة موقوتة».
وذكرت «هآرتس»، استناداً إلى المصادر ذاتها، أن المفاوضات بدأت قبل أكثر من شهر، وفي التاسع من شباط الماضي «أبلغ الطرف الفلسطيني أنه إذا لم يعد الاحتلال الوضع في المناطق (أ) و(ب) إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة الثانية، وكذلك أوقف عملياته في هذه المناطق، فإن السلطة ستعلق التنسيق الأمني». بعد ذلك، أجرت أجهزة الأمن الإسرائيلية، كما تورد الصحيفة، مباحثات حول «كيفية الإبقاء والمحافظة على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وتمخض عنها تقديم مبادرة بتسليم بعض المدن للأجهزة الفلسطينية».
وتضيف الصحيفة الإسرائيلية أن إسرائيل اقترحت أن تكون رام الله وأريحا أولى المدن التي يوقف فيها الجيش عملياته، وإذا ثبت نجاح التجربة، فإن جيش العدو سيعيد انتشاره في مدن إضافية. وأكدت «هآرتس» أن المبادرة نُقلت إلى الرئيس محمود عباس، وأن الآراء منقسمة حيالها في القيادة الفلسطينية؛ فمن جهة يميل قادة الأجهزة الأمنية إلى قبول المبادرة، لأن من شأنها تهدئة الأوضاع الميدانية، ومن جهة تحفظت القيادة السياسية للسلطة التي ترفض الاعتراف بحق إسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية في المنطقة (أ) وتعتبره مساً بالسيادة. وذكرت الصحيفة أن المفاوضات «توقفت بسبب اشتراط بنيامين نتنياهو أن تقدم السلطة تنازلات، بذريعة أنه بحاجة إلى مقابل للتصديق على المبادرة في المجلس السياسي الأمني المصغر».
جراء ذلك، حمّلت المصادر، القيادة السياسية لدى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، مسؤولية تعثُّر المفاوضات بسبب الشروط التي وضعها كل منهما، لكنها قالت إن الفرصة لا تزال قائمة لتقدمها.
وتشمل مناطق (أ) معظم المدن الفلسطينية الكبيرة التي تشكل مع القرى المحيطة بها نحو خمس مساحة الضفة، ووفق اتفاقات أوسلو، فإن المسؤولية المدنية والأمنية في هذه المناطق تقع على السلطة، لكن إسرائيل تخرق هذه الاتفاقات منذ عملية «السور الواقي» في 2002، وتنفذ عمليات عسكرية يومية في هذه المناطق.
ولفتت «هآرتس» إلى أن منسق عمليات جيش العدو في الأراضي الفلسطينية، يوآف مردخاي، وقائد الجبهة الوسطى، روني نوما، هما المبادران لهذه المفاوضات، وأن رئيس الأركان، غادي ايزنكوت، ووزير الأمن، موشيه يعلون، وبنيامين نتنياهو، كانوا على معرفة بالاتصالات وصدّقوا على إجرائها. لكن المصادر الإسرائيلية ذكرت أن المفاوضات «تهدف إلى محاولة ومنع المسّ بالتنسيق الأمني» بين جيش العدو وأجهزة أمن السلطة، وذلك من أجل تقليص نقاط الاحتكاك بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.
والشخصيات التي مثلت السلطة في المفاوضات، هم: وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس «المخابرات العامة» ماجد فرج، ورئيس «الأمن الوقائي» زياد هب الريح، فيما اطلع عليها المنسق الأمني الأميركي، الجنرال فرد رودشايم.
وختمت «هآرتس» بالتأكيد، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أن المفاوضات «واجهت صعوبات بسبب القيود السياسية للمستوى السياسي في إسرائيل؛ من جهة نتنياهو لا يوافق على دفع هذا المسار دون أن يحصل على مقابل من الفلسطينيين يسمح له بإمرارها في المجلس الوزاري المصغر، ومن جهة أخرى، مطلب نتنياهو بإقحام عباس في وضع لا يحتمل بالنسبة إليه، عبر موافقته على دخول قوات الاحتلال للعمل في الأراضي الفلسطينية... الأمر الذي يُعَدّ تنازلاً عن السيادة».
مع ذلك، شددت المصادر الإسرائيلية على أن المبادرة مطروحة على الطاولة، ولن تخرج إلى حيّز التنفيذ إذا لم يجر الحصول على أمور من الفلسطينيين.
على خطٍّ موازٍ، لقي كشف «هآرتس» عن المفاوضات السرية، ردود فعل شديدة في اليمين الإسرائيلي. فقد أكد الوزير زئيف الكين، عن حزب «الليكود»، أن المفاوضات جرت من وراء ظهر أعضاء المجلس الوزاري. وطلب الكين من وزير الأمن «وقف أي تقدم في هذا الاتجاه».
أيضاً، أكد مقربون من رئيس حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، أنه سيكافح بكل قوة أي اقتراح لإعادة مدن في الضفة إلى سيطرة السلطة. ووصف هؤلاء أي سير في هذا الاتجاه، بأنه خطوة إلى الوراء بخصوص إنجازات عملية «السور الواقي»، مشددين على أن الجيش هو من «سيحمي مواطني إسرائيل فقط».