تونس | كما كان متوقعاً، رفض مجلس شورى حركة النهضة التونسية (أعلى سلطة حزبية بين المؤتمرين) ما وقّعه زعيم الحركة راشد الغنوشي بخصوص استئناف الحوار مع المعارضة، اذ تجاهل بيان الشورى موضوع استقالة الحكومة تماماً، وطالب بهدنة اجتماعية، ودعا الى المحافظة على القانون المنظم للسلطة العمومية باعتباره الإطار المنظم للحياة السياسية. وبالتالي تتمسك «النهضة» بكامل منظومة ٢٣ تشرين ٢٠١١ التي دعت المنظمات الراعية وجبهة الإنقاذ الوطني الى تغييرها، حيث يمكن التأكيد على أن الحركة تراجعت يوم الأحد الماضي عمّا وقّعته يوم السبت. وهو ما مثّل خيبة كبيرة للشارع التونسي وللفاعلين السياسيين، وأكد مرة اخرى ازدواجية خطاب حركة النهضة في سيناريو شبيه بتراجعها عن تحديد سنة لأشغال المجلس الوطني التأسيسي. وهو الاتفاق الذي وقعته كل الأحزاب السياسية الاساسية باستثناء حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. ولم يتوقف مجلس الشورى عند هذا فقط، بل رأى عدد من أعضائه أنه لا مجال لاستقالة الحكومة قبل استكمال المهمات التأسيسية للمجلس الوطني؛ وهي استكمال الدستور والقانون الانتخابي والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بل هناك من أعضاء المجلس من لوّح بإحياء قانون العزل السياسي المعروف بقانون تحصين الثورة الذي أعلن الغنوشي قبل ثلاثة أشهر التخلي عنه لتوفير مناخ ملائم للمصالحة الوطنية.
تراجع مجلس الشورى عن قبول حركة النهضة خارطة الطريق، حظي بتعليقات عديدة، إذ عدّه بعض المحللين السياسيين، وكذلك قادة في الاتحاد العام التونسي للشغل، مجرد خطاب موجّه لتهدئة قواعد الحركة الغاضبة، التي ترى في الموافقة على خارطة الطريق استجابة وتنازلاً للمعارضة التي لا تملك أي ثقل في الشارع، ومع ذلك تعمل على ابتزاز الحركة.
واكد المكلف الإعلام في قيادة اتحاد الشغل سامي الطاهري، أن ما يعني المنظمات الراعية للحوار، هو توقيع رئيس الحركة الخارطة الواضحة، فيما يرى قادة في «حزب التكتل من اجل العمل والحريات» شريك النهضة في الحكم، أن بيان مجلس الشورى يكشف عن خلافات عميقة داخل «النهضة».
وفي السياق ذاته، رأى آخرون أن بيان الحركة يكشف عن تراجع نفوذ الزعيم التاريخي لحركة النهضة راشد الغنوشي، مقابل صعود نفوذ رئيس الحكومة علي العريض، المدعوم من وزراء حكومته، الذين يمثلون «الشرعية السجنية»، وخصوصاً وزير الصحة عبد اللطيف المكي، ووزير النقل عبد الكريم الهاروني، اللذين قضوا مع العريض اكثر من ١٥ سنة في السجن. ودعمهم في ذلك نواب الحركة في المجلس التأسيسي، وخاصة رئيس كتلتها الصحبي عتيق. وكذلك «شيوخ» الحركة المعروفون بالتشدد مثل الحبيب اللوز. كل هؤلاء يرفضون اي تنازل للمعارضة او لليسار الاستئصالي المتحالف مع بقايا نظام زين العابدين بن علي، كما ينعتون «جبهة الإنقاذ الوطني».
أما جبهة الإنقاذ، فقد رأت ان الأهم بالنسبة إليها هو توقيع الغنوشي، ورأت أن بيان مجلس الشورى شأن حزبي داخلي يجب ألّا يُفهم خارج هذا السياق لأن المهم هو التزام رئيس الحركة بخارطة الطريق.
بدوره، رأى كل من زعيم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، وزعيم «جبهة الاتحاد من أجل تونس» الباجي قائد السبسي، (المكونين الرئيسيين لجبهة الإنقاذ الوطني) أن المواجهة لا تزال واردة وقد تتطور في صيغة درامية خاصة.
وشهدت الجلسة الاولى والثانية التمهيديتان أمس وأول من أمس انسحاب رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، عامر العريض، لأسباب شكلية. وهو ما يؤكد ان إمكانات نجاح الحوار في امتصاص الاحتقان السياسي الشعبي والخروج من الأزمة السياسية تبدو أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً.
ومع هذا الجدل والتوجس يزداد الوضع الأمني على الحدود الجنوبية مع ليبيا صعوبة وتوتراً، بينما أعلن هيثم زناد من مؤسسة الجمارك التونسية حجز اكثر من ٦٠٠ قطعة سلاح وآلاف الخراطيش منذ بداية السنة الجارية، وهو ما يؤكد مخاوف التونسيين من تعقد الوضع الأمني.