الخرطوم ــ «الأخبار» تُعَدّ مواقف القوى السودانية المعارضة لحكومة عمر حسن البشير، هي الأعنف منذ عقود، بعد أن اعتادت دعوةَ نظام الحكم للحوار من أجل تجنيب البلاد ويلات الربيع العربي، والنموذج الليبي على وجه التحديد. الا ان سخونة الشارع السوداني المتزايدة، وفشل القبضة الأمنية في السيطرة عليه، وإخمادها بصورة نهائية، ربما دفعت أبرز زعماء المعارضة الى الدعوة الى التصعيد ومطالبة البشير بالتنحي.
وفي خطوة فاجأت الأوساط السياسية المحلية، أعلن الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني، انسلاخه من الشراكة في الائتلاف الحكومي مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، حيث كان يتمتع بعدد من المقاعد الوزارية، بالاضافة الى منصب مساعد الرئيس الذي تقلده نجل الميرغني جعفر الصادق.
ويرى محللون ان تلك الخطوة سيكون لها أثر كبير على الحزب الحاكم الذي لطالما عوّل على مشاركة الحزب الاتحادي كدليل على الممارسة الديموقراطية والتبادل السلمي للسلطة.


الترابي يحذّر من حرب أهلية

في ذات الوقت، حذّر رئيس حزب المؤتمر الشعبي المعارض، الدكتور حسن الترابي امس، من اندلاع حرب أهلية، إذا استمرت الأزمة السياسية في السودان، ولا سيما مع تسلح المواطنين السودانين في غرب السودان والجنوب الجديد، داعياً البشير إلى الرحيل من السلطة.
وقال الترابي، في لقاء مع محطة «سكاي نيوز» العربية: «نأمل أن يمضي النظام بسلام من نفسه قبل أن يضطر الناس إلى حمل السلاح وتستعر في البلاد حرب أهلية». وأضاف: «لا يمكن هذا النظام أن يبقى في الأطر الاستبدادية والأمنية التي عليها». وبدا ان زعيم «الشعبي» بدأ يتهيأ لمرحلة ما بعد نظام «جبهة الإنقاذ» الحاكمة، حيث ناشد القوى السياسية الأخرى ضرورة التركيز على المرحلة المقبلة، وذلك بتبني دستور انتقالي وصولاً الى دستور دائم. وأضاف: «على القوى السياسية أن تتهيأ للفترة الانتقالية والدستور الانتقالي».


المهدي لرحيل النظام


وعلى الرغم من المنعطف السياسي الخطير الذي يمر به السودان في الوقت الحالي، إلاّ أن مواقف زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، متذبذبة.
ويرى متابعون أن هذا ديدن «الإمام» مع تحالف المعارضة، إذ ظل على الدوام يقف موقف المعارض من المعارضة وأقرب ما يكون من الحزب الحاكم، ولا سيما أن نجله لا يزال يحتفظ بكرسيه الى جانب الرئيس البشير مساعداً له.
وبرزت مواقف المهدي الضعيفة أول من أمس وهو يطالب أنصاره الذين احتشدوا بأن يهتفوا «الشعب يريد تغيير النظام»، بدلاًً من «الشعب يريد اسقاط النظام».
لكنه قبل أن تكتمل 12 ساعة على تلك التصريحات العلنية والمواقف الهشّه خرج زعيم حزب الأمة مطالباً «الرئيس عمر البشير بالرحيل»، حتى تتسنى إقامة نظام سياسي جديد في البلاد «خال من الاستبداد».
وقال المهدي في تصريحات لـ«سكاي نيوز» عبر الهاتف إنه «لا يمكن أن تهدأ الأمور إلا بإزالة الأسباب، وهذا يعني رحيل النظام وإقامة نظام جديد خال من الاستبداد».
وقد دعت قوى المعارضة الرئيسية في البلاد البشير الى التنحى الفوري عن السلطة تمهيداً لتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها جميع القوى السياسية، وكف يد السلطات الأمنية عن قمع وقتل المتظاهرين العزل بالرصاص الحي.
وتبقى تصريحات رئيس التحالف السوداني المعارض فاروق ابو عيسى لـ«الأخبار» مؤشراً مهماً لمعرفة اتجاهات العمل المعارض في المرحلة المقبلة، وتبيان تماسك فصائله وأحزابه ورؤاه، في ظل تواتر التصريحات الفردية.
فقد أكد أبو عيسى ان التحالف يمضي يومياً في أحكام عمليات التنسيق بين مكوناته القديمة والجديدة من الشباب، وانه لن يتوقف عن العمل ودعوة الشعب السوداني للتحرك السلمي من أجل اسقاط النظام، معتبراً «أن ساعة العمل الوطني قد حانت وأن على الجميع تلبية هذا النداء».

تواصل الاعتقالات

كذلك أصدر تحالف «قوى الاجماع الوطني»، الذي يضم كل أحزاب المعارضة، بياناً قال فيه إن السلطات تواصل اعتقال قيادات التحالف، وان ذلك لن يثنيه عن المضي قدماً في «طريق الثورة» حتى «إسقاط النظام الظالم». فيما رمت النقابات والاتحادات المهنية بثقلها في هذه الجهود، اذ اعلنت تبنيها الاعداد لعصيان مدني يدخل حيز التنفيذ خلال ايام قلائل.
وكانت قوى المعارضة في السودان قد وقعت قبل شهور على مشروع «البديل الديموقراطي»، ويتكون من برنامج متكامل يرتب الاوضاع الانتقالية في السودان «تحسباً لسقوط النظام الحاكم». ولكنها اغفلت عن عمد التوقيع على مشروع الدستور الانتقالي، لتباينات بين فصائلها حول مرجعياته.
غير ان صمود نظام الرئيس البشير في وجه العديد من الأزمات الداخلية مثل انفصال جنوب البلاد والتدهور المتسارع للاقتصاد السوداني وتفشي الفساد والمحسوبية ومن ثم تآكل الصدقية، أدى الى هز ثقة الشارع في فعالية القوى المعارضة ومن ثم تراجع دورها وتأثيرها في الحياة العامة.
أما القيادات الشابة في الشوارع فتعاني انعدام عملية التنسيق الجماعي بين المتظاهرين في الأحياء المتباعدة، وتزداد حاجتها، مع تصاعد عمليات القمع، وفي ظل انسحاب أجهزة الإعلام العالمية عن المشهد، لغطاء يقلل ان لم يحمِ من زخّات الرصاص.
لكن الاوساط الاعلامية في الخرطوم تشكك في جدوى أي تحرك من جانب المهدي والترابي تجاه النظام الحاكم، وتستند في ذلك إلى وجود قنوات مفتوحة مسبقاً بين الرجلين والبشير تحت لافتة القضايا الوطنية.
وفي الوقت الذي تمضي فيه الحكومة في محاكمة من سمتهم مسبّبي أعمال الشغب في الخرطوم، حيث سيُعرَض اليوم 24 متهماً على محكمة «أمبدة» غرب أم درمان، أفادت مصادر موثوقه بأن المتهمين قدموا شهود دفاع لإثبات أنهم اقتيدوا من داخل المنازل وليس من ساحة التظاهرات.