نيويورك | في قراءة متأنية لقرار مجلس الأمن الدولي ٢١١٨ الخاص بنزع السلاح الكيميائي السوري، يتضح أنّ واشنطن، كما موسكو والغرب عامة، يتجهون نحو استراتيجية جديدة لمواجهة خطر «تنظيم القاعدة» الذي قد لا يتورع عن استخدام أسلحة دمار شامل كالغازات السامة. ولأنّ الهجرة السورية تفوق الهجرة الفلسطينية التي لم يستطع العالم معالجتها بعد ٦٥ عاماً، فإن الكبار اتفقوا على لملمة الوضع السوري قبل الطوفان البشري الأكبر في القرن الجديد. هذه المرة تخشى الدول الكبرى تحول السوريين في الشتات إلى مرتع خصب لتجنيد «المجاهدين» الذين يحتاج إليهم «القاعدة»، كما يحصل بالفعل في الأماكن التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية. من هنا جاء القرار الأخير محذراً من مساعدة التنظيمات على اقتناء السلاح الذي تخلت عنه الحكومة السورية طوعاً بعد أن أصبح «تهمة» لها، بدلاً من أن يكون رصيداً استراتيجياً ترهب به أعدائها.
بعد قرار نزع السلاح الكيميائي بمساعدة وضمانات روسية (وهي عملية قد تستغرق عاماً أو أكثر)، سيتحمل اللوم الطرف الذي لا يقبل التعاون التام مع المفتشين الدوليين، الذين منحهم القرار حصانة وحرية في التنقل داخل سوريا والوصول إلى الأماكن والمسؤولين. وسيكون بينهم خبراء روس، كما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مجلس الأمن الدولي.
في حيثياته التمهيدية، ينصّ قرار مجلس الأمن الدولي ٢١١٨، الذي صدر تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، على الالتزام القوي بسيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، ويؤكد أنّ انتشار الأسلحة الكيميائية ووسائل إيصالها «يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين». وينطلق من أنّ سوريا انضمت عام ١٩٦٨ إلى بروتوكول حظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها وللوسائل البكتريولوجية، الموقع في جنيف عام 1925.
وفيه أيضاً يشير المجلس إلى الالتزام المنصوص عليه في القرار 1540 الصادر عام ٢٠٠٤، بأن تمتنع «كافة الدول عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم للجهات غير الحكومية التي تحاول استحداث أسلحة الدمار الشامل».
أبعد من «الكيميائي»
القرار ينصّ في الشقّ السياسي منه على مرجعية بيان جنيف واحد الصادر في ٣٠ حزيران ٢٠١٢. ويتحدث عن خارطة طريق كاملة للحل في سوريا مستند إلى وثيقة جنيف. ويكرر ضرورة تطبيق الخطوات الرئيسية بدءاً بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم «أعضاءً من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق».
وهو نص يتّسم بالضبابية إلى حدّ بعيد ويخضع للتأويل. لكن من الواضح، كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم لـ«الأخبار»، أنّ الولايات المتحدة اتفقت مع روسيا على جلب المعارضة إلى جنيف بدون شروط مسبقة.
وليس في القرار أي إشارة إلى ضرورة تغيير الحكومة الحالية، لكنه يدعو إلى حل توافقي مبني على المفاوضات. وهذا ما حدا بالمسؤولين السوريين إلى التأكيد على حق الرئيس بشار الأسد في الترشح مرة أخرى في أي انتخابات رئاسية تعقد مستقبلاً. والبند الـ١٧ من القرار يدعو إلى عقد مؤتمر دولي يتعلق بسوريا في أقرب وقت ممكن. غايته تنفيذ بيان جنيف، ويطالب كافة الأطراف السورية بـ«المشاركة بجدية، وعلى نحو بنّاء» في مؤتمر جنيف، مشدّداً على ضرورة «أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلاً كاملاً، وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة». وبذلك يحرم التنظيمات العابرة للحدود من أي مقعد أو كلمة على طاولة المفاوضات، كذلك يحرم الدول التي تقف وراءها من أي دور فعلي تحت طائلة المساءلة الدولية.
هل بعد هذا يكون مستغرباً أن تتشاور دول كالسعودية والإمارات مع إسرائيل في نيويورك حول المستقبل، كما أكدت الصحافة الإسرائيلية؟
للجهات «غير الحكومية» حصة... وثغرة
ومن أجل منع انتشار السلاح الكيميائي السوري وغير السوري، سواء في اتجاه دول الجوار أو منها، أو حتى من الدول البعيدة، جاء البند الـ١٨ من القرار ليؤكد واجب الدول الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم «للجهات الفاعلة غير الحكومية»، التي تحاول استحداث أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية ووسائل إيصالها، أو حيازة هذه الأسلحة والوسائل أو صنعها أو امتلاكها أو نقلها أو تحويلها أو استعمالها. ويدعو البند كافة الدول الأعضاء، لا سيما الدول الأعضاء المجاورة للجمهورية العربية السورية، إلى إبلاغ مجلس الأمن على الفور بأي انتهاكات للبند. وعلاوة على ذلك يطلب القرار في بنده الـ١٩ من «الجهات الفاعلة غير الحكومية، عدم استحداث أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية ووسائل إيصالها، ويدعو جميع الدول الأعضاء، ولا سيما الدول الأعضاء المجاورة للجمهورية العربية السورية، إلى إبلاغ مجلس الأمن على الفور بأي أعمال تخالف البند».
أما البند الـ٢١ فيهدد في حال عدم الامتثال، «بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي كان الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ». وتركت هذه الفقرة حمّالة أوجه. الحكومة السورية ترى أنها تتعلق بتهديد التنظيمات المسلحة التي قد تعرقل عمل المفتشين الدوليين، أو أن تستخدم الأسلحة الكيميائية. ويمكن أي طرف آخر أن يخلق ذريعة من هذا النوع بواسطة وكلاء على الساحة السورية لتنفيذ مأربه. وهي ثغرة يمكن النفاذ منها في حال تعثّر التفاهم الروسي ـــ الأميركي.