دمشق - رمى القطاع التعليمي في سوريا إلى تقليص نسبة الأمية إلى حدود ضئيلة وإلى تأهيل الأفراد من أجل الدخول في سوق العمل، والتأقلم مع المتغيرات التقنية، إلا أنّه بعد تطورات الأزمة المدمرة، يزداد الخوف من أن تُطلّ الأمية برأسها من جديد، بسبب تأثّر أوضاع القطاع التعليمي، كما غيره من القطاعات الأخرى، بالتدمير والنزوح والتشرّد ونقص الخدمات.
فبحسب وزارة التربية كانت المناطق السورية تحوي 22500 مدرسة، تستوعب خمسة ملايين تلميذ قبل الأزمة، بينما حالياً خسرت بفعل الحرب، أكثر من 3000 مدرسة بين أضرار مادية وتدمير كامل تركزت معظمها في إدلب وحلب ودرعا، و1500 مدرسة تُستعمل أماكن للجوء النازحين بحسب منظمة «يونيسف»، أي إن 10% من التلاميذ قد خرجوا من موقع الدراسة إلى مواقع أخرى.
ومن جهة أخرى، يشير تقويم المنظمات الدولية إلى أنّ مدارس إدلب وحلب ودرعا هي من بين المدارس الأكثر تضرراً. ونتيجة لذلك، يتغيّب الطلبة عن الدراسة، وبعضهم يحضر مرتين في الأسبوع فقط.
وقد أثمرت عمليات النزوح الداخلي ضغطاً على مدارس المناطق الآمنة، حيث تزايدت الأعداد إلى الضعف أحياناً، ووصل عدد التلاميذ في الصف الواحد إلى 90 تلميذاً، بعدما أشار المكتب المركزي للإحصاء إلى أن نسبة الطلاب في الشعبة الواحدة في عام 1998 كانت 37 طالباً، و34 طالباً ما بعد الـ2000، هذا ما استدعى من وزارة التربية العمل بطريقة الدوام النصفي في مدارس المناطق الآمنة.
وتبعت ذلك مشكلات النقص الحاصلة في عدد المقاعد وعدد الكتب وأعداد المدرسين، فبحسب منظمة «يونيسف»، فإن ما يزيد على 110 معلمين وموظفين مدرسيين قُتلوا إثر الحرب الدائرة، والكثيرين غيرهم لم يعد يحضر إلى العمل. ففي إدلب، مثلاً، انخفضت نسبة حضور المعلمين إلى 55%، بينما يزداد عدد المدرسين في المناطق الآمنة بنسب كبيرة.
ويوضح المدرس سعيد نوفل هذه النقطة لـ«الأخبار»، بالقول: «تقوم وزارة التربية بتعيين المدرسين بعد نجاحهم في المسابقات في المناطق النائية ولمدة خمس سنوات، وبعد تطور الأزمة انتقلنا مجبرين بسبب الأعمال الحربية إلى مناطقنا الآمنة في السويداء، مما جعلنا عبئاً، ما أوجد انتشاراً للبطالة المقنعة». ولم تكن الجامعات أفضل صورة عن المدارس، ففي سوريا خمس جامعات حكومية، هي جامعات دمشق وحلب، وجامعة البعث في حمص وتشرين في اللاذقية والفرات في دير الزور. وتتبع لكل جامعة سلسلة من الكليات الفرعية في المحافظات المجاورة، مثل درعا والسويداء وريف دمشق. أُصيبت بعض هذه الجامعات بسلسلة من التفجيرات، مما أدّى إلى انتقال معظم الطلاب إلى جامعات أكثر أمناً.
حمزة من السويداء، طالب سنة رابعة في كلية الرياضيات في جامعة حلب، يقول لـ«الأخبار»: «منذ سنتين وأنا انتظر فرصة سانحة لتقديم مواد التخرج، لكن لا جدوى، لذلك أعمل على تدريس بعض الطلبة الصغار دروساً خصوصية، في انتظار فرصة التخرج».
إلى ذلك، تبقى معاناة الطلاب الأمنية الأكثر خطورة في الواقع، حيث كثرت عمليات الخطف للطلاب وابتزاز عوائلهم. ومن الطلاب من يقضي نحبه على الطريق بين المحافظات للالتحاق بجامعته، ما اضطر نسبة كبيرة منهم إلى البقاء تسعة أشهر دون انقطاع في السكن الجامعي. وإذا عادوا في عطلة الصيف، تخلّوا عن الدورة التكميلية، وفضلوا الرسوب على تعريض حياتهم للخطر. وجدير بالذكر أنّ التعليم مرتبط ارتباطاً وثيقاً برواتب وحوافز الأساتذة. ويتسبب ضعف رواتب المدرسين (بمن فيهم أساتذة الجامعات) بمستويات تعليم متدنية.
وهناك من المعوقات الاقتصادية أسباب جوهرية لتعطيل الدراسة، فمع انخفاض قيمة الليرة السورية، أصبح طالب الجامعة يحتاج شهرياً إلى 20000 ليرة على أقل تقدير، مع العلم أن متوسط دخل الموظف 16000 ليرة سورية.
ويقول أبو رواد لـ«الأخبار»: «لدي ولدان في الجامعة، شاب وفتاة، تراوح مصاريفهم الدراسية بين 30 و40 ألف ليرة، مما أجبرنا على ايقاف تسجيل ابني الشاب في الجامعة، وعلى عمله معي في أعمال البناء، بينما أكملت ابنتي دراستها».
ومن الظواهر التي أثارت القلق في الآونة الأخيرة، هروب الطلاب إلى خارج سوريا، وخاصة إلى مصر. هذا ما دعا إلى القيام بإجراءات سريعة من شأنها الحد من التسرب الاجتماعي لفئات المتعلمين والمثقفين، حيث أصدرت المراسيم والقوانين قراراً ببناء وتوسيع الجامعات في المناطق الآمنة (السويداء مثلاً)، من أجل استيعاب أكبر قدر ممكن من المسجلين، والحد من هذا النزف والهدر للطاقة التعليمية في البلاد.