دمشق | إن كنت لبنانياً مقيماً في إحدى المحافظات السورية، لم يكن عليك أن تحتفظ ببطاقة إقامتك في جيبك. فأينما ذهبت، يكفي أن تخرج هويتك اللبنانية لتمضي في سبيلك كأي سوريّ في بلده. وكذلك، فلست مضطراً لزيارة سفارة بلدك في سوريا، فلم تكن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين قد بدأت بعد. هذا ما كان حال اللبنانيين القاطنين في سوريا عليه حتى تاريخ 14/ 2/ 2005، أي حتى تاريخ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية في ما بعد. «كنتُ مسؤولاً في إحدى المنظمات الشعبية الرسمية في سوريا، رغم أن القانون السوري كان يمنع ذلك كوني لا أحمل الجنسية السورية. في حينه، لم يكن أحد ليدقق بهويتك. يكفي أنك تسكن مع الشعب السوري، وتأكل من أكله لتُعامَل معاملة أي سوري آخر»، يقول أحد اللبنانيين، وقد رفض الكشف عن اسمه. ويتابع في حديثه لـ«الأخبار»: «لكن الحال قد انقلبت بعد الحملة الشعواء من شتم واتهامات وتصعيدٍ قادته جماعة 14 آذار لتحميل سوريا والشعب السوري مسؤولية اغتيال الرئيس الحريري. فأعيد العمل بالقانون السوري، وتركت عملي، لأعود إلى المهن الحرة خارج نطاق العمل الحكومي الرسمي. لاحظ الفرق في إجراءات الأوراق الرسمية قبل 2005 وبعده، في السابق كنا ندفع رسم السجل التجاري 85 قرشاً سورياً، أما اليوم فبتنا ندفع 25000 ليرة سورية، ورخصة قيادة السيارات السورية كنا نحصل عليها بسعر رمزي وبدون إجراءات صعبة، اليوم علينا أن نصدق أوراقنا من الخارجيتين السورية واللبنانية، ما بات يكلف أكثر من 50000 ليرة سورية، وكل ذلك لا يساوي شيئاً أمام بطاقة العمل، ففي السابق كنا نحصل عليها بـ 210 ليرات سورية، اليوم أصبح عليك أن تدفع 400.000 ليرة سورية تأمين، بالإضافة إلى مبلغ سنوي يُحدد على أساس الدخل. وأغلق باب الانتساب للنقابات المهنية والدراسات العليا في الجامعات في وجه اللبنانيين كونهم أجانب... كل هذا جاء نتيجة لحملة 14 آذار ضد سوريا وشعبها».إلا أن حالة الاحتقان السوري إزاء ممارسات بعض القوى السياسية اللبنانية لم تدم طويلاً، إذ استطاع انتصار المقاومة اللبنانية على العدو الصهيوني عام 2006 أن يعيد نقاوة الأجواء وحالة التحام الشعبين ببعضهما البعض، إذ باتت الأسواق الشعبية السورية تكتظ بالأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله وصور أمينه العام، السيد حسن نصر الله. يروي اللبناني محمد نعمة (38 عاماً) أنّه: «في حرب تموز، ومنذ وصولي وعائلتي إلى نقطة المصنع الحدودية كان الاستقبال السوري لافتاً، صعد أحد الشباب السوريين بسيارتي، اتجهنا نحو محطة الوقود وملأت السيارة بالبنزين على حسابه، وبدأ يدلني على الطريق حتى وصلنا إلى البيت الذي كان قد أعده لنا. هذه الحقيقة، لم يسمح لنا السوريون أن نبادر لطلب المساعدة، كل حاجياتنا كانت تصل إلينا حتى عودتنا إلى لبنان». أما سامر اليعقوبي فيقول: «أنا من المقيمين في سوريا منذ ما قبل حرب تموز. إلا أن الشعب السوري لم يقتنع بهذا وظنني مراوغاً كي لا أطلب المساعدة. إذ بادرني كثيرون بالقول: ما منفهم هالكلام... لبناني يعني لبناني... يعني بدك تنحط عالعين والراس».

الأزمة وتعقيداتها

الاحتقان السابق لم يدم طويلاً، كذلك لم يستطع أن يدوم الانفراج الذي حققته المقاومة اللبنانية، بانتصارها، للبنانيين المقيمين في سوريا كثيراً. إذ أدت جملة العوامل المرتبطة بانخراط بعض التيارات السياسية اللبنانية في الحملة الأميركية والغربية والرجعية العربية ضد الشعب السوري، وارتفاع حدّة الانقسام الطائفي في المنطقة، بالاضافة إلى المعاملة غير اللائقة بحق النازحين السوريين إلى لبنان، إلى مفاقمة معاناة اللبنانيين في سوريا. إذ يرى ع. درويش (27 عاماً) أنّه: «ومنذ بداية الأزمة، كان كل لبناني في سوريا هو هدف حقيقي للجماعات التكفيرية التواقة لإثبات تدخل حزب الله في سوريا، حتى قبل أن يتدخل فعلياً، أما اليوم فبات الاستهداف علنياً، إذ إننا بتنا جميعاً أوراقاً تسعى هذه الجماعات إلى استغلالها». ويتابع في لقائه مع «الأخبار»: «نعاني من مخاطر جمة وحقيقية، تبقى يدي على قلبي كلما أردت التنقل في دمشق وخارجها، فحياتي مرهونة بأن أقف عند حاجز تابع لهذه الجماعات، لأواجه أحد خطرين، إما التصفية والقتل والتنكيل، وإما الخطف والمقايضة. الحياة باتت أشبه بلعبة حرب».
وإذا ما أراد اللبناني المقيم منذ سنوات في سوريا النزوح إلى منطقة أخرى، فتبدأ هنا مشكلة عدم اعتباره نازحاً كونه لبناني الهوية، ولا علاقة له، قانونياً، بسوريا. فحتى من كانت والدته سورية، لا يسمح القانون السوري، حتى اليوم، لأطفالها أن يحصلوا على جنسيتها، حتى وإن ولدوا على أراضيها، وهي مشكلة باتت تخنق آلافاً من أولاد السوريات المتزوجات من غير السوري. يسرد محمد المصري تفاصيل معاناته لـ«الأخبار» قائلاً: «ولدت في سوريا، ودرستُ فيها، لم أزر لبنان إلا في السنة مرة، إلا أنني عندما قررت النزوح إلى لبنان كان النازح السوري أفضل حالاً مني، على الأقل اعتبروه نازحاً، أما أنا فتركتُ إلى مصيري كي أصارعه وحيداً». بينما تؤكد الحاجة جميلة م.: «سمعنا أن إحدى منظمات الإغاثة قد لاقت حلولاً لمشكلة اللبنانيين المقيمين بسوريا، ذهبت إلى مركزهم في الدكوانة. كلو كذب بكذب، ما حدا سائل عنا وعن حالتنا أبداً».
وعن الاحتقان السوري إزاء اللبنانيين تروي فرح ف.، وهي طالبة لبنانية في جامعة دمشق، لـ«الأخبار»: «كلاً من شباب الموالاة والمعارضة بات اليوم متوجساً من اللبنانيين. فالمؤيد يحاسبك على أخطاء 14 آذار، والمعارض يحاسبك على أنك مع النظام السوري. نحن اليوم في نقطة تقاطع النيران ما بين الطرفين». وتعقِّب: «يجب أن يفهم كل من في لبنان أن التضييق على السوريين في لبنان ينعكس بالتضييق علينا، وأن كل كلمة يرميها جهابذة بعض القوى السياسية اللبنانية ستنعكس علينا قلقاً وقهراً. فليفهموا أننا هنا نصرخ في وجوههم: عربدتكم في بيروت تنقلب ناراً علينا».