تونس | فيما يحيط الغموض بمستقبل تونس بعد فشل الحوار بين الترويكا الحاكمة والمعارضة، كان غياب زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي عن ندوة حزبه الحاكم الصحافية التي عقدت أمس في العاصمة، محل تساؤلات كبيرة، إذ اعتبره بعض المتابعين إشارةً إلى تراجع نفوذ الشيخ في الحركة. لكن أحد مؤسسي الحركة الإسلامية عبد الفتاح مورو، رأى أن هناك «صعوداً لأسهم الجيل الثاني الذي يقود النهضة نحو مزيد من التصلب والتشدد»، كما قال في حوار مع صحيفة «الشروق» الجزائرية قبل يومين. أما نائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، فقد نفى مسؤولية الحركة عن تعطيل الحوار الوطني، أو عما وصلت إليه البلاد من انهيار أمني واقتصادي. واعتبر أن «النهضة» لها نفس مسؤولية الأطراف الأخرى الذين حمّلهم مسؤولية تعطيل الإنتاج منذ اليوم الأول لصعود الترويكا إلى الحكم. بدوره، وزير الخارجية السابق، صهر الغنوشي، رفيق عبد السلام بوشلاكة، جدد تمسك الحركة باستمرار الحكومة إلى حين انتهاء المجلس الوطني التأسيسي من مهماته، واعتبر أن الحكومة الجديدة ستكون مستقلة، لكنها خاضعة لرقابة المجلس الذي تسيطر عليه الترويكا الحاكمة، وهو ما ترفضه المعارضة تماماً. فالمنظمات الراعية للحوار الوطني كانت قد أعلنت السبت الماضي فشل الحوار، وحمّلت المسؤولية لحركة النهضة التي رفضت كل المبادرات وعملت على المناورة لربح الوقت، حسبما قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي. في إعلانه فشل الحوار، لمّح العباسي إلى أن الاتحاد سيفرض خريطة طريق عن طريق «قواه الذاتية»، لأن البلاد لم تعد قادرة على تحمل هذا الوضع. وهو ما يعني إمكانية اللجوء إلى الإضرابات في القطاعات الحساسة التي ستشل عمل الحكومة.
وفي الاتجاه نفسه، لمّح زعيم المعارضة الباجي قائد السبسي إلى إمكانية اللجوء إلى الشارع لإجبار الحكومة على الرحيل وحل المجلس التأسيسي، وإقالة الرئيس محمد المنصف المرزوقي، باعتباره جزءاً من منظومة ٢٣ تشرين الأول ٢٠١١ التي قادت الترويكا إلى الحكم.
وهاجم السبسي خلال اجتماعه أول من أمس مع قيادات حزبه «نداء تونس»، حركة النهضة والرئيس المرزوقي، وقال إنهما يقودان البلاد إلى المجهول.
ووصف الحكومة بأنها «حكومة بلا صدقية ومتورطة في الإرهاب».
وهي المرة الأولى التي يهاجم فيها السبسي الحكومة و«النهضة» والرئيس بهذه الحدة، إذ تحسّر في خطابه على حال تونس التي أصبحت فضيحة في العالم بسبب «جهاد النكاح» وتورط تونسيين في عمليات إرهابية عبر العالم.
وتزامن خطاب السبسي مع تصريحات قيادات جبهة الإنقاذ مثل حمة الهمامي ونجيب الشابي ومية الجريبي، الذين اتهموا «النهضة» بغلق باب الحوار، وأكدوا أنهم لن يتخلوا عن تونس.
بفشل هذا الحوار، الذي كان التونسيون يعلّقون عليه آمالاً عريضة لإنقاذ البلاد من المأزق، سيزداد الوضع التونسي تعقيداً أمام انهيار الدينار ووصول التضخم المالي إلى أعلى نسبه وهو ٦ في المئة، حسب وزير المالية إلياس الفخفاخ، و١٠ في المئة، حسب خبراء المعارضة.
ومما زاد الطين بلة، إصدار البنك المركزي التونسي مرسوماً لكل المصارف يمنع فيه تمكين الموظفين من أخذ سلفة على الراتب، وهو ما سيشكل أزمة حقيقية للعائلات التونسية.
كل المؤشرات تؤكد أن هذا الأسبوع سيكون حاسماً في مسار الأزمة السياسية في تونس. ففي الوقت الذي تقف فيه «النهضة» والحكومة وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» التابع للرئيس المرزوقي، في خط الدفاع عن «الشرعية» وتنظيم الانتخابات في أقرب وقت «لقطع الطريق على دعاة الفوضى»، كما سمّاهم المرزوقي، تقف المعارضة مدعومة بالاتحاد العام التونسي للشغل ونقابات ومنظمات ناشطة أخرى في خط مواجه. وتعتبر كل هذه القوى أن «الشرعية» هي شرعية وهمية لأنها انتهت منذ سنة قانونياً، فضلاً عن فشلها في إدارة الدولة وتورطها في الإرهاب والاغتيال. المواجهة بين الطرفين واضح أنها ستتطور، وقد تصل إلى العنف أو حتى الى السيناريو المصري، كما حذر السبسي الذي اتهم «النهضة» والحكومة بالبقاء في الحكم رغماً عن إرادة التونسيين. وربما ستلجأ الحكومة إلى استعمال الرصاص لقمع الغاضبين، كما فعل زين العابدين بن علي الذي انتهى بذلك حكمه وتم خلعه.