مهند عبداللهإلى مجرد لصوص صغار أو أمراء حرب، تحول كثيرون من المطالبين بالحرية وإسقاط النظام هنا في مخيم اليرموك المحاصر منذ 8 أشهر. ومن يعش في المخيم يدرك الجهد والصبر الذي استغرقه الناس المحاصرون ليتخلصوا من زمر مسلحة استباحت كل شيء في حياتهم، فيما يطوقهم الجيش ليصبحوا بين نارين.
لا يكاد يخلو حائط في المخيم من شعار لافت. تقرأ وأنت تسير «الجيش الحر حرامي بدنا الجيش الإسلامي»! ومع أن الإسلاميين هم أيضاً مسلحون، إلا أنهم لم يلوثوا سمعتهم بالسرقة والاعتداء على المدنيين، ومع ذلك يتندر الناس بأن الموز والكعك والتفاح الأحمر والخبز «السياحي» لم يغب عن بيوت قادتهم في ظروف حصار خانقة.

بداية عامنا هذا، كان جميع المسلحين ينادي بعضهم بعضاً، بكلمة «حاج»، وقد أطلقوا لحاهم نزولاً عند السنّة المحمدية، لكنهم لم يهذبوا نفوسهم! وصارت غايتهم الأولى جمع المال والغنائم. بل إن «حاجاً» من هؤلاء اغتصب سبع فتيات وقتلهن ولم يفتضح أمره إلا قبل نحو أسبوع. وفضلاً عن الوشوم التي تملأ أذرع ورقاب من يطربون لمناداتهم بالحاج، إلا أنهم يتعاطون الحبوب المخدرة، والكحول الطبي الذي أتوا على آخره في مناطق تحتاج إلى هذا المنتج المهم في أيام الحرب والحصار الطويلة. ويتندر البعض هنا بأنّ لواءً كاملاً من «الحجاج المجاهدين» لا يخرجون في غزواتهم من دون تناول ثلاث حبات من الكبتاغون يومياً. أما قائدهم، فيروى عنه أنه يبتلع 14 حبة يومياً! وعلى الأغلب فإن هؤلاء سيفقدون عقولهم قريباً إذا استمروا هكذا. على جدار آخر كتب «تكبير احمل الشاشة وطير». والتكبير كان مرافقاً لعملية السيطرة على المخيم، وفي الاشتباكات على أطرافه، لكنه صار «شيفرة» سرقة شاشات البلازما وبيعها بأسعار بخسة. وقد تسمع أحدهم يقول: «كبَّرت على دراجة آلية»، أي سرقها. وحتى الأطفال باتوا يستخدمون مفردة التكبير، كأن يقولوا كبَّرت على لعبة صاحبي، أي سرقتها. شعار آخر على الجدران «من يقل لك اصبر على الجوع وهو شبعان فابصق في وجهه». فبينما يجوع كثيرون هنا، يستطيع المسلحون شراء ما يريدون ويطالبون غيرهم بالصبر. وفي غمرة الخلافات التي عصفت بعلاقة تنظيم دولة الشام والعراق مع جبهة النصرة، تقرأ على حائط «يا جبهة الهزائم متى تشبعين من الغنائم». وبالمعنى نفسه يكتب المدنيون «حرب الغنائم تجلب الهزائم.. الثورة ثورة وليست ثروة». في البداية لم يغنم المسلحون سوى ما خلفته الجبهة الشعبية – القيادة العامة وراءها من أسلحة وسيارات، وشمل النهب بيوت من كانوا في اللجان الشعبية التي شكلها أحمد جبريل ثم حرقت. كان المسلحون يقبضون أموالاً تكفيهم، لكنهم بعد انقطاع الدعم المالي استسهلوا الأمر، وكانت معارك سبينة وعقربا، قرب دمشق، خير دليل على قيامهم بعمليات كبيرة فقط من أجل الغنائم. وتقرأ أيضاً على الحيطان سوراً قرآنية تحض على الصبر والجهاد، وإلى جانبها شتائم ضد أحمد جبريل وبشار الأسد والألوية المعارضة، وبات الشعار الذي يرفع بكثرة: «قبل أن تريني سلاحك أرني أخلاقك». وكما الجيش النظامي يرفع شعار «جنود الأسد مروا من هنا» و«الأسد قائدنا للأبد»، يكتب المعارضون «أسود التوحيد وصقور الجولان مروا من هنا وحرية للأبد». الشعارات تعبّر عن الحال التي وصل إليها من رفعوا شعارات الثورة بالأمس القريب، قبل أن يغدوا من الحالمين بالسيارات الفارهة وملايين الملايين من الدولارات. وبين البينين يبقى الناس وقود حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.