القاهرة | أكد أعضاء لجنة الخمسين، التي شكلها رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، أنهم يسعون الى وضع دستور جديد للبلاد، عبر تعديلات شاملة لمواده بأكملها لتناسب مصر بعد ثورة تصحيح المسار في 30 حزيران. وقال ممثل حزب التجمع في اللجنة حسين عبد الرازق، لـ«الأخبار»، إن «دستور 2012 ساقط وباطل وأصبح غير موجود منذ 30 حزيران»، موضحاً أن رئيس الجمهورية المؤقت منوط به حالياً إعداد دستور جديد.
وأشار الى أن لجنة الخمسين لتعديل الدستور معنية بإعداد رؤية واضحة ومبادئ أساسية تريدها في الدستور.
وحول الخلافات التي بدأت تشهدها اللجنة بسبب اختلاف الأيديولوجيات فيها، أوضح عضو اللجنة مجدي يعقوب أن «الحوار والتوافق أمر مهم جداً، ويجب الوصول إليه. والحديث عن نسبة توافق تصل الى 75 في المئة كما جاء في اللائحة للتوافق حول المواد الدستورية أمر هام وضروري»، مؤكداً أنه سيعمل بجدّ لإحداث توافق حول المواد الخلافية.
التحديات الستة المتمثلة في «هوية الدولة، وصلاحيات الرئيس وطرق محاسبته، ونظام الحكم، ووضع القوات المسلحة، والنظام الانتخابي، والحريات»، هي بمثابة قنابل موقوتة أمام المجتمع المختلف في اللجنة التأسيسية، حيث تدرس لجانها الأربع (المقومات الأساسية، ونظام الحكم، والحقوق والحريات، والحوار المجتمعي) جميع التحديات السابقة في اجتماعات مغلقة منعاً من إحداث حضور الإعلام لها نوعاً من بلبلة وإثارة الرأي العام.
هوية الدولة يحكمها طبقاً للمادة الثانية النص القائل بأن «الإسلام هو دين الدولة، مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، و«المادة الثالثة التي تنص على أن «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية». إلا أن الاختلاف ما لبث أن اشتغل داخل أروقة غرف الاجتماعات المغلقة للجنة المقومات الأساسية والمنوط بها مناقشة هذه المادة. فقد طالب ممثل حزب التجمع في اللجنة حسين عبد الرازق، في خطاب رسمي، بأن «يتضمن النص الحالي للمادة الثانية نصاً إضافياً متمثلاً في مبادئ الشريعة الإسلامية ومبادئ شرائع الأديان الأخرى والقيم العليا للأديان، ونصوص هذا الدستور مصدر رئيسي من مصادر التشريع. ويكفل الدستور تنوع مصادر التشريع بما يعكس الروافد المتنوعة للهوية الوطنية، وعدم فرض تشريعات تنظيم حياة المواطنين في المجال الخاص تتناقض مع معتقداتهم».
وكشفت مصادر مطلعة داخل لجنة الخمسين لـ«الأخبار»، أن ممثلي الأزهر «شكلوا لجنة علمية شرعية دستورية ولغوية، لتحليل جميع المواد الدستورية محل الخلاف وإصدار موقف الأزهر منها».
وفيما التزم ممثل حزب النور، بسام الزرقا، الصمت إزاء الجد الدائر حول المادة الثانية، ورفض التصريح لوسائل الإعلام عن موقف الحزب منها، إلا أن المادة 219 لم تُبحث بعد، وقد شارك حزب النور في اللجنة مراهناً على تضمينها ضمن الدستور بعدما حذفتها لجنة العشرة.
ويقول عضو لجنة الخمسين المخرج السينمائي، خالد يوسف، إنه «لن يسمح بإمرار المادة 219 في التعديلات الدستورية الحالية بهدف الحفاظ على مدنية الدولة»، مضيفاً إنه «يجب على ممثلي التيار الليبرالي في لجنة الخمسين عدم الإنصات الى مطالب حزب النور، وتجاهل تهديداته بالانسحاب من اللجنة»، مشيراً الى أن تلك المادة تكرس فكرة الدولة الدينية وتحرم الأقباط من حقهم في المواطنة.
وفيما أكد رئيس حزب المصري الديموقراطي الاجتماعي عضو لجنة نظام الحكم المنبثقة عن لجنة الخمسين، محمد أبو الغار، وجود اتجاه عام بين الأعضاء بالإبقاء على المادة الثانية بالدستور من دون تعديل، وعدم وجود تعدد لمصادر التشريع لتكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، قال عضو حركة «تمرد»، المقرر المساعد للجنة نظام الحكم، محمد عبد العزيز، لـ«الأخبار»، إنهم مع «النظام المختلط الأقرب إلى الرئاسي، أسوة بالنموذج الفرنسي»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنهم «لم يتوافقوا بعد عما إذا كان مختلطاً أقرب الى البرلماني أو أقرب إلى الرئاسي».
وأوضح عبد العزيز أن «الباب الخاص بنظام الحكم في الدستور يشمل 112 مادة، وتبدأ بمواد البرلمان، وبعدها المواد الخاصة برئيس الجمهورية»، مشيراً الى أن «اقتراحه يتضمن مناقشة المواد الخاصة برئيس الجمهورية أولاً لتحديد نظام الحكم، وأن الاتجاه العام داخل اللجنة هو النظام شبه الرئاسي الأقرب الى الفرنسي».
أما رئيس لجنة الخمسين الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، عمرو موسى، فعبّر عن تأييده للنظام الجمهوري، من دون أن يفصح عن نوعية هذا النظام الجمهوري، هل هو برلماني أم رئاسي؟
من جانبه، قال رئيس حزب الوفد، عضو لجنة نظام الحكم، السيد البدوي، لـ«الأخبار»، إن حزبه يؤيد النظام المختلط الأقرب الى البرلماني في الدستور الذي سيحكم مصر بعد ثورة 30 يونيو.
وفيما زادت صلاحيات الرئيس عقب تعديلات لجنة العشرة عن مثيلاتها بدستور 2012 الذي أُسقط، وبدأت لجنة نظام الحكم في أولى اجتماعاتها بالحديث عن كيفية محاسبة رئيس الجمهورية، أوضح موسى أن لجنة الخمسين «تتداول أفكاراً حول عزل الرئيس وستناقشها جميعها»، مشدداً على «ضرورة وجود آلية معينة في هذا الصدد «مظبوطة تماماً»، حتى لا تؤدي إلى مزايدات في ما بعد.
وحول الانتخابات، أوضح عضو اللجنة محمد أبو الغار، أنه يؤيد إجراء الانتخابات بنظام القائمة، «منعاً لعودة أي من النظام السابق الى الحياة السياسية وإفسادها من جديد»، مشيراً إلى أنه مع إلغاء مجلس الشورى.
مواد القوات المسلحة هي واحد من التحدّيات الكبرى التي تواجه العاملين في لجنة الخمسين لتعديل دستور 2012، في ظل التخوفات من أن يكون للعسكر دور بارز في الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة، والسعي للحصول على امتيازات أكبر مع تزايد نفوذ المؤسسة العسكرية على الساحة المصرية بعد عزل محمد مرسي في 30 يونيو الماضي، أو على الأقل الإبقاء على مواد القوات المسلحة كما هي في دستور «الإخوان» المعطل.
ومن ضمن التحديات التي تواجه لجنة الخمسين الآن؛ مواد الحريات في الدستور الجديد، وهناك تخوفات كثيرة من استمرار جملة «ينظمه القانون» التي أصرت الجمعية التأسيسية السابقة على أن تزيلها لمواد الحريات في دستور 2012. وقال العضو الاحتياطي في لجنة الخمسين ناصر أمين، إنه «لا بد من التأكيد على أن هناك حقوقاً مقدسة لا يجب المساس بها في الدستور الذي يعدل»، لافتاً إلى أن «من بين هذه الحقوق الحق في الحياة والاعتقاد، والمعتقد وحقه في سلامته الجسدية وحقه في الحرية بكرامة وإنسانية»، ولفت أمين إلى أن تلك حقوق مقدسة وليست هبة أو عطية من الدولة، والتي لا يزال النقاش جارياً حولها، في ظل تكتم من قبل أعضاء لجنة الحقوق والحريات المنبثقة عن لجنة الخمسين.