القاهرة | دلجا، أو «رابعة» الصغرى، كما أطلق عليها قاطنوها، هي إحدى البلدات التابعة لمركز دير مواس بمحافظة المنيا، عروس جنوب صعيد مصر، اقتحمتها قوات الجيش بين ليلة وضحاها، وألقت خلال ساعات القبض على العشرات من العناصر الإخوانية، من دون أية مقاومة، بتهم مختلفة تتراوح بين اقتحام وحرق مركز شرطة دير مواس ونقطة شرطة دلجا، ودير السيدة العذراء والأنبا إبرام الأثري وبيوت الأقباط في البلدة، على الرغم من تصريحات أسقف المنيا السابقة التي أكد فيها أن البلطجية هم من أحرقوا الكنائس. قبل أن تنتهي كلمة وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، التي أعلن فيها عزل الرئيس السابق محمد مرسي في «3 يونيو»، كانت دلجا قد اشتعلت. مئات الأفراد هاجموا كنائس البلدة الخمس بالمولوتوف وقوارير البنزين، وأسفر الهجوم عن تحطيم المباني، بالإضافة إلى احتراق مبنى الخدمات بكنيسة مار جرجس الكاثوليكية، بحسب ما يروي الأب أيوب يوسف، راعي الكنيسة، في حكايته عن بداية المحنة.
بعد أشهر على الحوادث، استعان الجيش بما يقرب من 10 مدرعات مجنزرة تابعة للقوات المسلحة و30 مجموعة قتالية للأمن المركزي للدخول الى البلدة، وسط تحليق للطائرات الحربية، اقتحم البلدة وهدم المنصة المشابهة لمنصة «رابعة»، وهو ما أسفر عن إصابة 125 من الأهالي حتى الآن بعد إطلاق الجيش والداخلية قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحي.
خطوة الاقتحام جاءت بعد نحو شهر من استقلال البلدة، التي يبلغ تعداد سكانها 120 ألف نسمة، عن أجهزة القوة التابعة للدولة، سواء جيشها أو شرطتها. وهدفت الى تحرير البلدة من قبضة جماعة «الإخوان» وحلفائها من التيارات الإسلامية. ولم تكن سهلة بتاتاً، بل أتت بعد 7 ساعات من الاشتباكات بين الأهالي والجيش، الذي حرق الكثير من الأراضي الزراعية، وخاصة أراضي القصب، فيما تمركزت مدرعات الداخلية داخل القرية، وفق شهود عيان لـ«الأخبار».
كذلك عمدت قوات الأمن الى حظر التجوال وتطويق قريتي البدرمان وزعبرة المحيطتين ببلدة دلجا وإغلاق الطريق المؤدي إلى مركز ديروط التابع لمحافظة أسيوط والقريب من القرية خشية فرار المطلوبين، ونشرت الكمائن الأمنية والمرورية بكل الطرق المحيطة بالمنطقة.
«لم يكن ليحصل ما حصل لولا فض اعتصام رابعة بالقوة، كان من الممكن للناس أن يهدأوا، لكن طريقة الفض أشعلت الغضب في نفوس الأهالي، واحتجوا بطريقتهم الجبلية»، هكذا يقول أحد أهالي البلدة لـ«الأخبار»، مفضلاً التحفظ على ذكر اسمه، مضيفاً «عقب فشل المواجهة مع الجيش، فرّ جمع من الأهالي نحو الجبال للاحتماء بها».
منازل الأقباط مغلقة، وقاطنوها متخوفون من الخروج بعدما حُرقت منازل لهم وخرّبت أخرى، لكن الأسقف سبق أن أكد أن البلطجية هم السبب، والجميع يعي ذلك، غير أن تسليط الأضواء عبر مختلف وسائل الإعلام بأن الإسلاميين هم السبب حوّل القضية الى فتنة طائفية. وكان اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية السابق ومدير أمن المنيا، قد أكد عقب سيطرة الجيش على دلجا أنّ العناصر الذين روّعوا قرى ومراكز المنيا ينتمون إلى الجماعة الإسلامية، مشيراً إلى أن هؤلاء العناصر يتحركون بتعليمات من القيادي بالجماعة عاصم عبد الماجد.
وقال نور الدين إن إشكالية المنيا أنها منبع ومركز تحرك الجماعة الإسلامية، وإن الجماعة الإسلامية نجحت في اختراق الأجهزة الأمنية بشكل كبير. وأضاف إن أفراد الأمن في المنيا مرتبطون بنسب وصلة مع العائلات التي ينتمي إليها أفراد الجماعة الإسلامية، وهم الذين أرشدوا عن مخازن الأسلحة والمعدات العسكرية التي كانت تمتلكها الشرطة للعناصر الذين اقتحموا أقسام الشرطة والمراكز بالمنيا.
بدوره، أدان المجلس القومي لحقوق الإنسان هذه الاعتداءات والانتهاكات، التي تقع بحق بعض المواطنين المصريين في صعيد مصر بشكل عام، ومحافظة المنيا وبعض مراكزها وقراها بشكل خاص بسبب هويتهم الدينية. وقرر المجلس تشكيل لجنة خاصة لإعداد تقرير وافٍ عن الحقائق المتعلقة بالحالات المذكورة، وتقديمها للسلطات المعنية وإعلانها للرأي العام.
وقال إنّه «لاحظ تصاعد وتيرة الاعتداءات التي استهدفت مواطنين مسيحيين في محافظة المنيا تحديداً، وهي الاعتداءات التي شملت حرقاً وتدميراً لدور عبادة خاصة بالمسيحيين ومنازل وممتلكات، كما شملت ممارسات تهجير قسري، فضلاً عن الشكاوى المتصاعدة والتي تتهم بعض الجماعات الدينية المتشددة بفرض أتاوات مالية على عدد من المواطنين المسيحيين».