اسطنبول | بعدما عبّر نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج، الجمعة الماضية عن «أسفه» ازاء الاتفاق الروسي ــ الأميركي في ما يتعلق بالأسلحة الكيمائية السورية لم يتأخر وزير الخارجية أحمد داود أوغلو في الاتصال مع نظرائه الغربيين والتقى بهم في باريس أول أمس حيث أبلغهم «أن النظام السوري لن يلتزم بالاتفاق وسيستمر بقتل شعبه بالكيميائي وغيره».
وانعكست خيبة الأمل التركية من ضرب سوريا على تصريحات المسؤولين الأتراك وفي مقدمتهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي ناشد خلال الأزمة حليفه الإستراتيجي باراك أوباما أكثر من مرة «لضرب سوريا بالكامل حتى إسقاط الأسد ومن دون الاكتفاء بعمليات عسكرية محدودة»، حسبما كان أوباما يقول.
وتابع أردوغان نهجه هذا بعد الاتفاق الروسي ــ الأميركي وقال عنه «إنه على حساب الشعب السوري حيث إن الأسد قد قتل بالكيميائي 1500شخص ولكن من دون الكيميائي 100 ألف شخص».
وسعت أنقرة من خلال التنسيق مع الدوحة والرياض لإقناع المعارضة السورية بضرورة توحيد صفوفها وانتخاب رئيس جديد للحكومة المؤقتة، وهو ما تحقق لها بانتخاب أحمد الطعمة، بعد أن فشل الائتلاف المعارض في الاتفاق مع المجلس الوطني الكردي السوري على صيغة الدستور السوري المؤقت بعد الاطاحة بالنظام. وسعى الجانب التركي كثيراً لإقناع الأطراف المعنية بضرورة الاتفاق على صيغة الكيان الفيدرالي الجديد في سوريا، وهو ما فشل فيه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الذي التقى الجربا والطعمة ورئيس أركان «الجيش السوري الحر» سليم إدريس طويلاً. كما التقى قبل ذلك مع زعيم الاتحاد الديموقراطي الكردي صالح مسلم (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي).
وفشلت أنقرة طوال الفترة الماضية بإقناع مسلم بضرورة التمرد على النظام في دمشق، حيث اتهم مسلم الأتراك بتقديم كافة أنواع الدعم لمسلحي جبهة النصرة وتنظيم القاعدة والجيش السوري الحر الذين سعوا طيلة الشهر الماضي للسيطرة على المناطق الكردية شمال شرق سوريا، حيث شهدت اشتباكات عنيفة بين هؤلاء المسلحين والجماعات الكردية.
وأثار موقف قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ردود فعل عنيفة في الشارع التركي الذي أثبتت استطلاعات الرأي المختلفة أن 73 في المئة منه ضد سياسات أردوغان العدوانية في سوريا والاستفزازية في مصر.
ولم يخف أردوغان انزعاجه من رد الفعل الشعبي هذا والتظاهرات المستمرة في اسطنبول وعدد من المدن التركية، مما اضطره لمهاجمة حزب الشعب الجمهوري المعارض، وتحميله مسؤولية هذا الغضب الشعبي الذي سيصل ذروته في التظاهرة الكبيرة التي دعا اليها «الشعب الجمهوري» في مدينة أضنة بعد غد الجمعة، وعنوانها «لا للحرب ضد سوريا».
من جهته، هاجم زعيم الحزب المعارض كمال كليتشدار أوغلو، الحكومة أكثر من مرة وبشدة، واتهمها بالتآمر ضد الشعب السوري عبر التحالف الخطير مع واشنطن والعواصم الغربية والدول العربية الرجعية وكافة الجماعات الإرهابية. وحمّل كليتشدار أوغلو أردوغان وحكومته مسؤولية القتل والدمار الذي لحق بسوريا وشعبها، قائلاً إن هذه السياسة ستنعكس بشكل خطير على الأمن القومي لتركيا أيضاً.
وحول إسقاط المروحية السورية أول من أمس عندما دخلت المجال الجوي التركي خطأً لمدة دقيقة واحدة، فهي محاولة من الحكومة التركية لـ«استعداء الشارع التركي من جديد ضد سوريا» باعتبار «أن اختراق المجال الجوي التركي وتصدي الطيران التركي البطل للطائرة السورية قضية قومية جاءت انتقاما لإسقاط السوريين طائرة تركية في 22 حزيران العام الماضي». لكن حسابات الحكومة التركية خابت من جديد حيث لم يبال الشارع بهذه القضية على الرغم من استنفار الإعلام الموالي للحكومة وسعيه «لإبراز القضية كأنها قضية قومية واستراتيجية بالنسبة للأمة والدولة التركية». وقال أردوغان أمس، إن الجيش قام بما عليه القيام به، وفي الوقت نفسه، استعجل الوزير داود أوغلو الظهور على شاشات التلفزيون مهدداً ومتوعداً الجانب السوري «في حال تكرار مثل هذا العمل الاستفزازي». وقال عنه إنه جاء لجس نبض تركيا.