منذ تبدد رهاناتها على سقوط النظام السوري «خلال أسابيع»، كما كان يروّج وزير دفاعها السابق إيهود باراك، تحافظ إسرائيل الرسمية على الغموض حيال موقفها من مسألة بقاء أو سقوط حكم الرئيس بشار الأسد. وفي ظل ما وُصف بسياسة «الجلوس على التل»، كانت تصدر، بين الحين والآخر، أصوات لمعلقين إسرائيليين ينطقون باسم المؤسسة الأمنية والسياسية، أو لمسؤولين يطلبون عدم الكشف عن هويتهم، تشير إلى أن مصلحة إسرائيل تكمن في إسقاط نظام دمشق، حتى لو كان الثمن حكم «القاعدة» في بلاد الشام.
إلا أن الموقف الأكثر صراحة في التعبير عن مقاربة تل أبيب للصراع في سوريا جاء أمس على لسان سفيرها في واشنطن، مايكل أورين، الذي قال بشكل لا لبس فيه إن إسرائيل معنية بسقوط الرئيس الأسد، وأنها دائماً أرادت ذلك، قبل الأزمة السورية وبعدها. ويكتسي موقف أورين أهميته ودلالاته باعتبار أنّ منصب السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة هو تعيين شخصي من قبل رئيس الوزراء مما يجعله أشبه بممثلٍ مباشرٍ له أكثر من كونه سفيراً تقليدياً ضمن السلك الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية.
وفي مقابلة مع صحيفة «جيروزالم بوست»، أمس، أعلن أورين «أننا نفضل الأشرار الذين لا تدعمهم إيران على الأشرار الذين تدعمهم إيران. وقد أردنا دائماً أن يذهب الأسد».
وأضاف «نحن ندرك أنه يوجد بين المتمردين أشخاص أشرار جداً، إلا أن الخطر الأكبر بالنسبة إلى إسرائيل يتمثل في القوس الإستراتيجي الممتد من طهران إلى دمشق إلى بيروت». وأردف «نحن نرى في نظام الأسد حجر المرتكز الذي يسند هذا القوس، وهذا هو موقفنا منذ ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا، وكذلك بعدها واصلنا الرغبة في ذهاب الأسد».
وتطرق أورين إلى أزمة الأسلحة الكيميائية في سوريا التي اندلعت في الأسابيع الأخيرة، فرأى أن «الأسلحة الكيميائية كان خطاً أحمر أميركياً وليس إسرائيلياً». وأضاف «خطنا الأحمر كان أنه إذا حاولت إيران أو سوريا نقل أسلحة كيميائية أو كاسرة للتوازن إلى حزب الله أو منظمات إرهابية أخرى، فإن إسرائيل لن تبقى سلبية. كنا مستعدين للالتزام بهذا الخط الأحمر ولا نزال كذلك». ورداً على سؤال حول التقارير الإعلامية التي تتحدث حول تغيير النظام السوري مكان الأسلحة الكيميائية التي بحوزته، نفى أورين أن يكون نقلها إلى أيدي حزب الله.
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة «معاريف»، أمس، أنّ أورين أجرى خلال الأسابيع الأخيرة ماراتون لقاءات في الكونغرس الأميركي من أجل إقناع أعضائه بتأييد العملية العسكرية التي أعلن الرئيس باراك أوباما أنه بصدد شنها ضد سوريا. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه اللقاءات حصلت قبل الاقتراح الروسي بشأن الأسلحة الكيميائية، وأنها جرت بناء على طلب صريح تقدم به الرئيس باراك أوباما إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمساعدته في تجنيد أعضاء الكونغرس لصالح تغطية قراره بشن هجوم على سوريا. وقال أورين لـ«معاريف» إنه بالفعل عقد سلسلة لقاءات في الكونغرس، لكنه ادعى أنه لم يبادر إليها بل «وضع نفسه في خدمة أولئك الذين طلبوا أن يتعرفوا منه على موقف إسرائيل في هذا الشأن». إلا أن أورين، وفقاً للصحيفة، لم يكن ليجري تلك القاءات لو لم يتلق إذناً صريحاً بذلك من نتنياهو. وينضم نشاط أورين إلى حملة مكثفة قام بها اللوبي اليهودي في واشنطن، بطلب من البيت الأبيض، داخل الكونغرس لإقناع أعضائه بالتصويت لصالح الهجوم على سوريا.
إلا أنه في مقابل رسالة «إيباك» الحاسمة لصالح الهجوم، كانت الرسالة التي نقلها أورين إلى أعضاء الكونغرس أكثر تركيباً «في ضوء الحساسية الشديدة التي ينطوي عليها نشاط ممثل إسرائيل الرسمي في قضية من هذا النوع». وبالرغم من تركيبها، كان ما يُفهم من مضمون الرسالة أن إسرائيل تؤيد العملية العسكرية ضد سوريا، إلى جانب شرح قدمه أورين بأن إسرائيل «تخشى سيناريو تدهور إقليمي في أعقاب الهجوم على سوريا وسيطرة محافل الجهاد العالمي على الدولة». وفي الموازاة، شدد أورين على أن «عملية أميركية موضعية ستنقل رسالة هامة إلى إيران في ما يتعلق بمشروعها النووي، وستردع حزب الله عن محاولة السيطرة على مخزونات السلاح الكيميائي السوري».
ونشر أورين على صحفته على «فايسبوك» بيان تأييد لهجوم أميركي ضد سوريا، كتب فيه أن «إسرائيل تتفق مع الرئيس أوباما على أن نظام الأسد يجب أن يتحمل المسؤولية عن استخدام السلاح الكيميائي». وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد ذكرت، أمس، أن نتنياهو حثّ وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، على قبول الاقتراح الروسي بشأن تفكيك الترسانة الكيميائية السورية. وأشارت «معاريف»، أمس، إلى أن التسريب الأميركي، الذي نفاه مكتب نتنياهو، يستهدف إشراك الأخير في قرار الامتناع عن العملية العسكرية بحيث إنه إذا ما فشلت الصيغة الروسية سيكون بوسع الإدارة الأميركية القول إن نتنياهو أيد وشجع الولايات المتحدة على قبول الصفقة. ورأت «معاريف» أنه بالنسبة لنتنياهو، فإن التسريب الأميركي أضر بالنهج المتشدد الذي يعتمده في مواجهة النووي الإيراني.