نواكشوط | بات بعض أقطاب المعارضة الموريتانية اليوم يبذلون جهوداً مضنية لإقناع بعض رفاقهم بالعدول عن قرار مقاطعة الانتخابات التشريعية والبلدية في 23 تشرين الثاني المقبل، بينما أصبح مكتب رئيس الوزراء مولاي ولد محمد، محجة لبعض زعامات المعارضة التي أجرت معه عدة لقاءات خلال هذا الأسبوع. وفيما لا يزال الزعيم المعارض أحمد ولد داداه، وفصيل واحد منها يرفض المشاركة، تسير تسعة من أحزاب المعارضة الأحد عشر في طريقها نحو المشاركة.
في هذا الوقت، أبلغت مصادر معارضة «الأخبار»، أن المشاورات التي تجريها المعارضة مع الموالاة أخذت مأخذاً إيجابياً، وأن الأمور في طريقها لمشاركة واسعة في هذه الاستحقاقات.
وكشف المصدر لـ«الأخبار» أن الحكومة قررت تقديم تنازلات مهمة من أجل مشاركة كافة الأحزاب في الانتخابات، وقبلت بتشكيل مرصد للمراقبة وإنشاء لجنة برلمانية للتدقيق في عمليات الإحصاء والتسجيل على اللوائح الانتخابية، وفتح حوار مستمر لتنظيم عمليات الاقتراع في أجواء ترضى عنها كل الأطراف.
وبحسب المصدر نفسه، لا يزال مطلبان للمعارضة قيد البحث، هما: تشكيل حكومة ائتلاف وتأجيل الانتخابات.
وكانت المعارضة الموريتانية قد توعدت السلطات بإفشال الانتخابات ما لم تُشكَّل حكومة ائتلاف توافقية تشرف على تنظيم الانتخابات.
غبر أن رئيس حزب «اتحاد قوى التقدم اليساري» المعارض، محمد ولد مولود، قال إن أحزاب المعارضة ستعمل بكل جهودها لإفشال الانتخابات المقبلة بالطرق السلمية، مضيفاً أن هذه الانتخابات يُعَدّ لها من طرف واحد ولا صدقية لها بالمطلق.
غير أن القيادي اليساري، الذي طالما تغنى بتماسك المعارضة، يجد اليوم نفسه أمام تصدّع هو الأبرز منذ خمس سنوات. في هذه الأثناء، يرى مراقبون في نواكشوط أن قرار اللجنة الموريتانية المستقلة للانتخابات تأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية المقبلة إلى الثالث والعشرين من تشرين الثاني قد أسهم في حلحلة الأمور التي كانت ستقود إلى الصدام.
وكان زعيم المعارضة مسعود ولد بلخير، قد أدى دوراً أساسياً في تقريب الرؤى، وخصوصاً أنه يتمتع بعلاقات تاريخية مع زعامات المعارضة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، فيما يقيم علاقات متينة مع الرئيس الحالي الذي تحالف مع مواليه لبعض الوقت.
ويتحدث محللون عن وجود أطراف خارجية تعمل على دفع المعارضة للمشاركة، بينما يجري الحديث عن دور قطري، ولا سيما أنّ رئيس «حزب تواصل» الإسلامي المعارض جميل ولد منصور هو من يقود اليوم الاتصالات مع الحكومة.
وحمل ولد منصور ثلاث رسائل من الحكومة لزعامات المعارضة، بل ودافع بشدة خلال اجتماع المعارضة قبل يومين عن قرار المشاركة.
ومن المفارقات، أن ولد منصور هو من كان ينادي برحيل النظام ويعمل جاهداً مع رفاقه في ركوب موجة الربيع العربي.
غير أن ما حدث في مصر وما تسير نحوه تونس اليوم، بدد من أطماع التحالف القطري ــ الإسلامي، ولا سيما أن موريتانيا، التي شهدت أكبر تظاهرة للإسلاميين، تداعى إليها مرشدو «الإخوان» عبر العالم للمشاركة في مؤتمر أنعشت من خلاله الإمارة النفطية فنادق موريتانية كانت مقبلة على الإفلاس، وعززت من خلاله نفوذها وسط المعارضة الموريتانية رداً على أزمتها مع نواكشوط التي طردت العام الماضي أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، من دون وداع رسمي خلال زيارة لم تدم أكثر من ساعات.
إلى هذا، يأخذ المال السياسي وشراء الذمم في المحافظات الزراعية الرعوية دور الأسد في الانتخابات الموريتانية، بينما يُلاحظ أن توظيف المال لشراء الأصوات أخذ يتقلص في نواكشوط وكبريات المدن. إلا أنّ هذه الظاهرة ما زالت جاثمة على صدور الموريتانيين في القرى والأرياف.
وفي محافظة العصابة شرقي العاصمة نواكشوط، تفيد التقارير بأن شراء بطاقات الهوية بات مربحاً بعد أن وصل سعر البطاقة ما يعادل المئة دولار، وتتم هذه المسلكيات على مرأى ومسمع من السلطات التي تغمض العين باعتبار أن جل من يقوم بهذه الأعمال هم موالون للسلطات. وتطالب الهيئات الحقوقية بمراجعة انتقائية القوانين المنظمة للانتخابات، وضبط حركة المال السياسي، وتطبيق القوانين لحماية الناخب من أن يكون ضحية لعملية أُعِدّت في الأصل لخدمته، في إشارة إلى استشراء ظاهرة شراء الذمم من قبل بعض المترشحين خلال الانتخابات.
وفي ما يتعلق بالدور القبلي في التصويت، استرجعت القبيلة دورها كاملاً؛ إذ إنّ القبائل الموريتانية حاضرة بقوة في الانتخابات، ويتجلى ذلك من خلال المكانة التي تحتلها لدى السياسيين.
وفيما يسعى الكثيرون إلى تغييب دور العشائر وينادون بالقضاء عليه باعتباره مسلكاً أكل الدهر عليه وشرب ولم يعد يتماش مع العصر، إلا أن القبيلة لا تزال تفرض نفسها من خلال أمور متشعبة يختلط فيها الاقتصادي بالسياسي، ويلجأ إليها الكثيرون باعتبارها مرفقاً عمومياً يقدم المساعدات في ظل غياب الدولة.