رأى عدد من الدبلوماسيين في الأمم المتحدة أن واشنطن حققت «انتصاراً» السبت الماضي في الخطة الأميركية ـــ الروسية حول الأسلحة الكيميائية في سوريا، من خلال إقناع الروس بالموافقة على الإشارة الى احتمال لجوء الأمم المتحدة الى استخدام القوة تحت الفصل السابع في حال عدم التزام النظام السوري بالبنود المذكورة. وقال دبلوماسي في المنظمة الدولية «كانت روسيا ترفض بشكل حازم أي تدخل للأمم المتحدة في النزاع المسلح في سوريا، وموافقتها اليوم على الإشارة الى الفصل السابع تعتبر بحد ذاتها تقدماً كبيراً»، إلا أن بعض الغموض اكتنف هذه النقطة بالذات. فقد شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أنه «لم يحصل نقاش حول استخدام القوة» خلال المفاوضات. واكتفى بالقول إنه «في حالة عدم التقيد بالشروط (في إطار اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية) أو في حال استخدام السلاح الكيميائي من أي طرف كان، فإن مجلس الأمن سيتخذ إجراءات في إطار الفصل السابع».
وعلّق دبلوماسي أميركي على كلام الوزير الروسي قائلاً «لافروف يعلم أنه بحاجة الى دعم أميركي من أجل التوصل الى هذا الاتفاق، وهذا الدعم له ثمن»، مضيفاً «إلا أن الروس سيقاتلون بشراسة للتأكد بأن كل الإجراءات الضرورية (الواردة في الفصل السابع) لن ترد في أي قرار للأمم المتحدة ضد الرئيس بشار الأسد».
أما من بين المقالات التي نسبت الفوز الى الروس في الاتفاق الموقّع في جنيف، فقد برز مقال في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، رأى فيه كاتبه دايفيد كينير أن الرئيس بوتين «استطاع تحويل موسكو إلى قوة داخل الشرق الأوسط»، وأنه «من خلال مزيج من المكر والدين والتعثر سحب نظيره الأميركي بعيداً».
وأشارت إلى أن بوتين ووزير خارجيته لافروف «يحتفلان بنهاية أفضل أسبوع لهما في الشرق الأوسط منذ عامين ونصف عام. فبدلاً من أن يتم رفضهما بوصفهما أنصار الطغاة الأكثر وحشية في المنطقة، يجري وصفهما برجلي دولة». ورأى كينير أن الأسباب المباشرة لهذا التغيير «تكمن في اقتراح الوساطة الذي من شأنه أن يدفع الأسد إلى التخلي عن الأسلحة الكيميائية. لكن بشكل عام، فإن موسكو استطاعت بناء الدعم بهدوء من القاهرة إلى بيروت، وصولاً الى دمشق».
على صعيد سوريا والضربة الأميركية التي كانت على وشك الحدوث، يشرح الكاتب «استطاع الروس تحقيق انفراجة في الأزمة المستعصية في المنطقة». وقال فيودور لوكانوف، رئيس تحرير مجلة روسيا للشؤون العالمية: «لدينا رئيس أميركي يلفظ كلمات قوية، لكن وجهه يقول، ماذا أنا فاعل؟». وأضاف إن «النجاح الروسي في المنطقة سيكون في المقام الأول مظهراً من مظاهر الفشل الغربي». وفي مصر، يشير المقال، حيث اتهمت الحكومة الانتقالية واشنطن بالتعاطف مع الإخوان المسلمين، إلى أن «بعض المصريين أشادوا ببوتين كموازن دبلوماسي محتمل للولايات المتحدة». وفي لبنان، دائماً حسب كينير، فقد «بنت روسيا علاقات استراتيجية مع طائفة الروم الأرثوذكس، التي تحتفظ بعلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية».

صعوبات وتشكيك

وبعيداً عن ترجيح الخاسر والرابح في الاتفاق الأخير، أشارت بعض الصحف الى الصعوبات التي ستواجه تنفيذ خطة تدمير الترسانة الكيميائية، مع الإشارة الى التجربتين العراقية والليبية في هذا المجال.
وذكّرت صحيفة «ذي واشنطن بوست» مثلاً بتحرّك الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في عام 2003 الذي أدهش المشكّكين في القضاء على الترسانة السامة لبلاده، وقام بتوقيع الاتفاقيات الدولية وببناء مصنع للتخلص من الأسلحة والمواد وسمح للمفتشين بالإشراف على تدمير أطنان من غازات الخردل. إلا أنه بعد مقتله في عام 2011، تضيف الصحيفة، اكتشف المحققون أنه خبّأ كمية كبيرة من الأسلحة الكيميائية في الجبال. مقال «ذي بوست» يشير الى أن «قصة الخداع والتضليل الذي مارسه القذافي» تجاه المجتمع الدولي «تلوح في الأفق في ظل محاولات تفعيل خطة تدمير الترسانة الكيميائية للنظام السوري».
ويقول خبراء مراقبة السلاح إن «تجربة ليبيا والدول التي كان لديها أسلحة كيميائية في السابق مثل العراق يمكن أن تكون مفيدة في الوقت الذي يضع فيه الدبلوماسيون طريقاً لإيجاد وتأمين وتدمير الترسانة السورية التي تقدر بحوالى ألف طن متري من العناصر الكيميائية». كما يخشى كثيرون أيضاً من «التحدّي الفريد الذي سيواجهه المفتشون الذاهبون إلى العمل في منطقة حرب».
ويقول داريل كيمبل، مدير «اتحاد مراقبة الأسلحة» الأميركي إنه «ليس هناك أي تجربة سابقة تشبه الوضع في سوريا، حيث لم يكن هناك حتى اعتراف بامتلاكها أسلحة كيميائية حتى وقت قريب. ولم يكن لديها ميول للتخلي عن ترسانتها حتى هدّدوها باستخدام القوة العسكرية، ما أدى الى الإسراع في الجداول المحددة في ظلّ حرب أهلية دائرة».
وأشارت الصحيفة إلى أن مهمة القضاء على أسلحة خطيرة مثل غاز الـ«سارين» تكون «مرهقة» في أفضل الظروف.
لكن خبراء الأسلحة يشيرون إلى نجاح التجربة في العراق بعد حرب الخليج عام 1991، وفي ليبيا، وهما دولتان تغلّبت فيهما فرق التفتيش على عواقب وضعت في طريقها لإتمام المهمة».
لكن من جهة أخرى، يشكك خبراء في إمكان الالتزام بمهلة السنة التي حددت لتفكيك الترسانة الكيميائية العسكرية السورية، حسبما ينصّ اتفاق جنيف. ويقول أوليفيه لوبيك من «مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية» في باريس إن «إتلاف الترسانة الكيميائية بحلول تشرين الثاني 2014 في ظلّ استمرار الحرب الأهلية في سوريا، هو أمر لا أعتقد أنه ممكن». ويضيف «هذا الأمر يبدو خيالياً. ففي فترة السلم، يستغرق ذلك الأمر سنوات عدة. وسوريا ليس لديها أي بنية تحتية لإتلاف أسلحتها الكيميائية. فيجب بناء مصنع خاص وستكون كلفته عالية».
وذكر الخبير الفرنسي أن «الولايات المتحدة وروسيا لم تنتهيا بعد من التخلص من مخزونهما الخاص (30 و40 ألف طن على التوالي بحسب قوله)، في حين أنهما استثمرتا مليارات الدولارات منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي للالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية الموقعة عام 1993».
من جهته، رأى الخبير في الأسلحة الكيميائية جان باسكال زاندير أن «تحديد المهل والاستحقاقات لم يعد في أيدي الولايات المتحدة وروسيا». وأضاف «أصبحت القرارات تتخذ الآن من قبل منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية» التي سيجتمع مجلسها التنفيذي الأسبوع المقبل في لاهاي. وتابع إن «المجلس التنفيذي للمنظمة يتمتع بالسيادة في اتخاذ قراراته». ولكل من الولايات المتحدة وروسيا صوت واحد بين الدول الأعضاء الـ 41، وعلّق زاندير «لن أفاجأ إذا لم يتمّ التوصل الى توافق في اتخاذ قرار».
بعض المتخصصين توقفوا أيضاً عند عقبة تشكيل فريق الخبراء وشرحوا أنه «يجب إيجاد أشخاص متخصصين بصنع الأسلحة الكيميائية ونزعها»، وأشاروا الى أن «بعض هؤلاء المتخصصين لن يحبّذوا المجيء الى منطقة معارك». وحول كيفية التخلص من المواد، يؤكّد أوليفييه لوبيك أن «هناك طريقتين: إما تحويله الى رماد أو تحليله بالمياه»، إذ إن نقل أسلحة كيميائية من سوريا الى دولة أخرى «محظور بموجب معاهدة 1993».
(الأخبار، أ ف ب)