رأت تل أبيب أن مضمون الاتفاق الروسي ــ الأميركي حول «الكيميائي» السوري «يصب في مصلحتها» نظرياً، لكن «بشرط تنفيذه». ومن جهة أخرى اقترن التعبير عن الموقف بالخشية من امكانية توظيفه في ساحات أخرى، لكونه قد يمثل أرضية للتسويق للخيار الدبلوماسي مع الجمهورية الاسلامية في إيران، كبديل عن الخيار العسكري، مع ما ينطوي عليه ذلك من حلول وسط «نووية» تخشاها تل أبيب.
وأشار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى أنّ العبرة في الاتفاق الروسي ــ الأميركي، تكمن في اختبار النتائج، أي في معنى ضمان تطبيقه بحذافيره، عبر تدمير كامل للترسانة الكيميائية لدى سوريا. وأضاف، في كلمة ألقاها بمناسبة إحياء ذكرى الجنود الذين سقطوا في «حرب الغفران» (1973)، إن اختبار النتائج أيضاً ينطبق على جهود المجتمع الدولي لوقف التسلح النووي لإيران. وشدّد على أنّ «الكلمات ليست هي التي تحدد، بل الأفعال والنتائج».
في المقابل، لفت نتنياهو إلى أنّ على إسرائيل أن تكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن نفسها، بقواها الذاتية في مقابل أي تهديد، وأنّ هذه القدرة والاستعداد مهمّان اليوم أكثر من يوم وقت مضى. وتوقف، أيضاً، عند التغييرات الاستراتيجية التي تمر بها المنطقة، واصفاً إياها بالهزة الأرضية التي لم تعرف إسرائيل مثيلاً لها منذ إقامتها.
كذلك، اطلع نتنياهو من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يزور إسرائيل، على تفاصيل مخطط تفكيك الأسلحة الكيميائية السورية. وشدّد، في مؤتمر صحافي، على ضرورة تجريد دمشق من أسلحتها الكيميائية، وعلى أنه ينبغي للعالم ضمان أن لا يكون هناك سلاح كيميائي لدى الأنظمة المتطرفة. في وقت أدلى فيه كيري بما يحب المسؤولون الإسرائيليون سماعه في هذه المناسبة، إذ شدّد على أنّ العملية العسكرية ضد سوريا ما زالت على ما هي عليه، وأنها «حقيقية». ودعا إلى عدم الوقوع في الخطأ «إذ لم يتم انزال الخيار العسكري عن جدول الأعمال»، مشدداً على أن الرئيس أوباما جدي في نواياه في ما يتعلق باستخدام القوة إذا كان هناك حاجة.
أما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، فحمَّل في المناسبة نفسها، (ذكرى حرب الغفران)، الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولية ما يحصل في بلاده، مقارناً إياه بالرئيس المصري أنور السادات، الذي عقد اتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل، مشبراً إلى أنّه (الرئيس الأسد) لا يملك الآن سوى خيار الالتزام بتطبيق الاتفاق. وشدّد على أن التهديد العسكري الذي يحمي اتفاق تفكيك الاسلحة الكيميائية، ينبغي أن يمثل درساً أيضاً لقادة إيران. ورأى بيريز أنّ حرب عام 1973، هي التي اقنعت أعداء إسرائيل بأنّ من الصعب الانتصار العسكري عليها، وبالتالي أصبحت الحرب نقطة تحول في علاقاتنا مع جيراننا العرب، إذ تمخضت عنها معاهدة السلام مع مصر، كما أنها مهدت الطريق للاتفاق مع الفلسطينيين، ولتوقيع معاهدة السلام مع الأردن.
من جهته، رأى رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أفيغدور ليبرمان، أن الاتفاق الروسي الأميركي بخصوص الأسلحة الكيميائية السورية، جيد من الناحية النظرية، وأنه «يصب في مصلحة إسرائيل»، لكنه رأى أن «اختبار الاتفاق يكمن في تنفيذه»، وخاصة أنه شكَّك في نية الرئيس الأسد تنفيذ الاتفاق فعلاً، لافتاً إلى أنّ جهات سورية معارضة تحاول جرّ إسرائيل للتدخل في النزاع في سوريا، وتدعي بأن الأسد نقل أسلحة كيميائية الى إيران، مضيفاً بأنه لم تتوافر أي معلومات تؤكد ذلك، وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، شدّد وزير الطاقة سيلفان شالوم، على أن اختبار الاتفاق الأميركي الروسي، يكمن في تنفيذه، محذراً من أنه في الماضي كان هناك اتفاقات لم تفض إلى أي نتيجة سوى تمكين طرف معين من كسب الوقت، وتجنب عمل عسكري، مضيفاً إن إسرائيل ستعمل إذا اقتضت الضرورة لمنع محاولات نقل أسلحة كيميائية إلى جهات غير مسؤولة.
في السياق نفسه، رأى موقع «واللاه» العبري، أنّ «إسرائيل لا تعرف إن كان عليها أن تبارك أو تلعن» الاتفاق الروسي ــ الأميركي. ونقل أيضاً عن مصدر سياسي رفيع المستوى، قوله إن الاتفاق الروسي ــ الأميركي بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية السورية، «جيد، إن لم يكن ممتازاً لإسرائيل، ولكن ليس بكل ثمن». ولفت إلى أن إسرائيل وإن كانت مسرورة لإمكانية إزالة التهديد الكيميائي من حدودها الشمالية، إلا أنها قلقة من أن يشجع نجاح الدبلوماسية على المسار السوري، الإدارة الأميركية على محاولة إطلاق مبادرة مشابهة لحل الملف الإيراني، مما سيتيح لطهران كسب الوقت، ويقلل بالتالي من فرص شن هجوم عسكري على مواقعها.
وحذر الموقع، أيضاً، من أن بذور التغيير في السياسة الأميركية تجاه إيران، ظهرت قبل التوصل إلى الاتفاق الروسي ــ الأميركي في الشأن السوري، منها ما لمّح إليه الرئيس باراك أوباما خلال المقابلات الصحافية الأسبوع الماضي، بشأن التأثير الإيجابي لإيران على القيادة السورية.
وفي السياق نفسه، أشار الموقع إلى أن إسرائيل لا تخشى فقط من فتح قناة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، الذي سيمس بفرص مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، بل تخشى أيضا من توجيه الأنظار، حتى قبل إتمام الاتفاق بشأن سوريا، إلى الترسانة الإسرائيلية من أسلحة الدمار الشامل، ولا سيما أن بعض الدول العربية طالبت خلال الأيام الأخيرة بوضع الترسانة الإسرائيلية تحت رقابة دولية على غرار الترسانة السورية، كما أن الرئيس بشار الأسد كان قد اشترط الكشف عن الترسانة الإسرائيلية كشرط لموافقته على الاتفاق الروسي ــ الأميركي. وتخشى إسرائيل من موجة مطالبة عالمية من شأنها أن تربكها وتضر بمساعيها الدبلوماسية والإعلامية في الشأن الإيراني.