القاهرة - حملة ترشيح عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية تزامنت مع صعود نبرة حملات إعلامية وشعبية لمطالبة الرجل بالترشح للرئاسة، كان أبرزها حملة «كمل جميلك»، التي تبنت طريقة جمع التوقيعات على استمارة لمطالبة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي بالترشح، والتي أعلنت يوم 16 أيلول الجاري الموعد الرسمي لانطلاقها، هادفة الى جمع 30 مليون توقيع قبل انتخابات الرئاسة المزمع عقدها أوائل العام القادم، من خلال مقار وحملات شعبية في كل مصر.
ورغم أن تسريبات عسكرية قالت إن السيسي أمر بوقف هذه الحملات، فإن شكوكاً تحوم حول هذه الحملات، وان كانت هناك رغبة حقيقية من المؤسسة العسكرية والسيسي لترشحه أم أن لها أهدافا أخرى؟
لواء في الجيش المصري لا يزال في الخدمة وقريب من المجلس العسكري، كشف لـ«الأخبار» أن فكرة الترشح للرئاسة بالفعل كانت تراود الفريق السيسي بعد تزايد شعبيته بصورة غير مسبوقة في الشارع المصري، غير أنه تشاور أخيراً مع أعضاء المجلس العسكري حول الأمر، وخلصوا إلى نتيجة مفادها أن عليه التريث وعدم الإقدام على هذا الفعل أو تأييد أي سلوك يؤدي له، نظراً لأن ذلك قد يدفع نحو وصف ما جرى في 3 تموز «بالانقلاب العسكري» خاصة في الأوساط الدولية.
وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، لأسباب تخص منصبه، أن غالبية الأسماء المطروحة على الساحة السياسية لا ترضي المجلس العسكري، الذي يرغب في حالة وجود رئيس من خارج المنظومة العسكرية، أن يكون أميناً على مكتسبات الجيش ومؤمناً بوضعه في السياسية المصرية، ويمكن إطلاق رجل دولة عليه، مستبعداً الترحيب بحمدين صباحي أو عمرو موسى أو محمد البرادعي، من التيار المدني، نافياً أن يكون رئيس جهاز المخابرات السابق مراد موافي، هو المرشح القادم. ولمّح الى شخصية مثل مصطفى حجازي، قد يكون له نصيب في الترشح للرئاسة بعدما لاقى قبولاً خلال الفترات الماضية، خصوصاً بعد المؤتمر الصحافي الشهير له الشهر الماضي، مختتما حديثه بالقول إنه في حال عدم ظهور أي شخص له وزن ودعم شعبي، فإن خيار ترشح السيسي قد يكون مطروحاً، أو أي بديل من المؤسسة العسكرية.
وفي ظل الحديث عن الحملات، يطل اسم سامي عنان، رئيس الأركان الأسبق، الذي أبدى استعداداً للترشح فور عزل مرسي من خلال إحدى الفضائيات قبل أن يختفي ثانية من الساحة، لكن وفق مصدر قريب الصلة من منسقيه بالإسكندرية، فإن الرجل يسعى لتكرار نموذج جمال مبارك «جمعية جيل المستقبل»، فيعمل من خلف مؤسسة تنموية للشباب بهدف الحشد له بين أوساط الشباب.
غير أن نوعية الناخبين الذين يستهدفهم عنان تماثل تلك العينة التي يستهدفها السيسي وهو ما يجعل فرصه ضئيلة مقارنة بالأخير، يضاف إلى ذلك الجروح غير البسيطة التي طالته مع المشير طنطاوي أثناء المرحلة الانتقالية الأولى، وهو تحدّ قد يظنه البعض قريباً من التحدي الذي يواجه السيسي بسبب ما جرى عند الحرس الجمهوري وفض اعتصامات رابعة والنهضة بالقوة.
بدوره، تناول المعالج النفسي، أحمد مصطفى، في حديث لـ«الأخبار»، المشهد من منظور تخصصه، قائلاً «تسيطر على الشارع المصري حالة الخوف والشعور بعدم الأمان بشكل عام سواء لأسباب منطقية تتمثل في حوادث العنف أو لأسباب لا شعورية مرتبطة بحالة الترقب وانتظار ما سيحدث وهو عرض من أعراض ما يعرف عليما باسم (كرب ما بعد صدمة) فقدان توازن المجتمع والسيولة غير المحدودة التي تجعل كل شيء ممكن حدوثه في أي لحظة، في الوقت الذي يسلط الإعلام فيه الأضواء على الفريق السيسي ورسمه في اللاوعي الجمعي بصورة الفارس المغوار الذي أنقذ الأمة وسينقذها من الضياع المحقق وأنه قادر على صنع المعجزات وقد ظهر هذا جليا حتى لدى النخبة للدرجة التي جعلت إحدى الصحافيات في مقال منشور في احدى أشهر الصحف الخاصة «المصري اليوم» تعرض نفسها على الرجل، ولو بشكل مجازي، بقولها: يا سيسي انت تغمز بعينك بس».
ويشير مصطفى إلى أنه وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول السيسي، فإن المجتمع سيصدم بشدّة في حقيقة أنه رجل عادي لن يستطيع تغيير الواقع خاصة مع الارتفاع غير المحدود لسقف مطالب الجماهير الجائعة الجامحة ومع الظهور والعودة الفجة لرجال دولة مبارك الذين لا يعرفون غير لغة المصالح وأرصدة البنوك.
بدوره، رأى الباحث السياسي في مكتبة الإسكندرية، محمد العربي، في حديث لـ«الأخبار» أن «مصر ستكون بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية على موعد مع مرحلة نظام الرجل القوي الذي لا يشغل منصب رأس الدولة ولكنه المتحكم الحقيقي لتوجهاتها، هذا النمط يبدو جديدا على السياسة المصرية لكنه مستمر منذ 30 يونيو».
واستبعد أن تؤتي الحملات الداعية لترشيح الرجل نفسه رئيسا للجمهورية أكلها: «فلن تكون المؤسسة العسكرية وعلى رأسها القائد العام في واجهة النظام، بل ستعمل على تحمل القدر الأقل من أخطائه وإن كانت صاحبة الوزن الأكبر في بنيته وصناعة قراراته، أما هذه الحملات فلن تؤدي إلى تمهيد الذهنية العامة أكثر لتقبل الوضع الشرعي للقوات المسلحة وصناعة الهالة حول رأسها؛ فهي في النهاية تحمل شكل دعوات شعبية، ولا يخفي تقبل قطاعات عريضة من الشعب لفكرة السيسي رئيسا، غير أن هذا بعيد عن الحسابات البعيدة للمؤسسة التي استعادت سمعتها التي خسرتها في المرحلة الانتقالية الأولى».
أما الناشط السياسي عابد محمد، والمنتمي للتيار المدني، فاستغرب في حديثه لـ«الأخبار» تلك الدعوات، متسائلاً «كيف بعد ثورة تسعى لقيام دولة مدنية وضبط العلاقة العسكرية المدنية السماح لرجل عسكري نشأ في هذه المؤسسة وولاؤه كله لها بأن يترشح لرئاسة دولة مدنية؟».