القاهرة - هناك قاعدة معروفة وباتت عرفاً واسع الانتشار في مصر بأن «العقار الذي فيه مسجد معفى من الضرائب»، وبناءً عليه يصبح من الطبيعي أن ترى في الشارع الواحد أكثر من مسجد.
القاعدة المرتبطة بذلك أيضاً، أنه إذا أراد أحد بناء عقار على أرض مخالفة، أو بدون ترخيص، علق لافتة كبيرة كتب عليها «هنا يقام مسجد كذا»، وبعد إقامة المسجد يمكن بناء عدد من الطوابق عليه، ولا تستطيع أي قوة إزالته؛ جملة واحدة يمكن أن يقولها صاحب العقار للقوة الأمنية التي تنفذ قرار الإزالة الذي يصدر بحق هذا العقار: «هتهد مسجد يا باشا». لكل هذا وغيره من الأسباب انتشرت «الزوايا»، المساجد الصغيرة المساحة في شوارع القاهرة والإسكندرية على نحو خاص، وفي كل المحافظات على نحو عام. ولعدم وجود رقابة على تلك الزوايا، تولى الخطابة فيها إما صاحب العقار نفسه، أو أي شخص لديه الشجاعة لكي يصعد إلى المنبر. ومن هنا جاءت سيطرة تيارات دينية مختلفة على تلك الزوايا؛ فهم يملكون من المظهر ما يؤهلهم لصعود المنبر، يرتدون الجلباب الأبيض القصير، ويطلقون لحاهم، ويحفظون عدداً من الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وحكايات من التراث الإسلامي. بعضهم كان يردد خطب مشايخ السلفيين المسجلة على شرائط الكاسيت قديماً أو المتداولة بينهم. واستُخدمت تلك الزوايا في الفترة الأخيرة لشحن المواطنين للتظاهر دفاعاً عن «الإخوان المسلمين»، والرئيس المعزول محمد مرسي، والتحريض على العنف باعتبار أن ما حدث «حرب على الإسلام»، وما من حصر دقيق بعدد تلك الزوايا أو المساجد الأهلية.
المشكلة الخطيرة تكمن في ما نقلته لـ«الأخبار» مصادر في الأوقاف، من أن الوزارة يتبع لها 110 آلاف مسجد، وأن عدد الأئمة التابعين لها 55 ألف إمام فقط، فيما تعاني عجزاً في عدد الأئمة يصل إلى 55 ألف إمام. وأشارت المصادر أنه يُستعان بأئمة من خارج الوزارة لتغطية هذا العدد الضخم، ويُمنحون تصاريح للخطابة في المساجد التابعة للوزارة، وهو الباب الذي كان يدخل منه أي تيار إسلام سياسي إلى المسجد، بل ويصعد أيضا على منبره.
وبناءً عليه كان قرار، وزير الاوقاف المصري محمد مختار جمعة، بإلغاء تصاريح أكثر من 55 ألف إمام من العاملين بنظام المكافأة، و«اعتبار أي تصاريح سابقة ملغاة ما لم تجدد خلال شهرين من تاريخه»، ومنع إقامة صلاة الجمعة إلا في «المسجد الجامع»، و«أي زوايا تقل مساحتها عن 80 مترا لا تقام فيها صلاة الجمعة إلا بتصريح كتابي من وكيل الوزارة». وأكد أن الوزارة تستطيع سد العجز الكبير في الأئمة والدعاة التي تحتاجهم من خلال الاعتماد على الوعاظ التابعين للأزهر الشريف.
القرار الذي اتخذه الوزير له معطيات كثيرة، يبدو أنها هي التي دفعته إلى اتخاذه؛ فخلال العام الذي حكم فيه محمد مرسي البلاد، وعيّن وزيراً للأوقاف يميل نحو جماعة «الإخوان المسلمين»، حيث كان الوزير من بين المعتصمين في رابعة العدوية، حذر العديد من المشايخ من خطة لأخونة المساجد.
مصادر في وزارة الأوقاف قالت لـ«الأخبار» إن الوزير السابق، جمال عبد الستار، وافق على إعداد دورات تدريبية وثقافية للأئمة الجدد، الذين جرى اختيارهم العام الماضي، في عهد مرسي، وإن الأزمة في أن الوزارة استعانت بمحاضرين من شيوخ التيارين السلفي والإخواني، وهو ما أدى إلى أزمة في تلك الدورات. وأشار الى أن مسابقة الوزارة لتعيين الأئمة الجدد تقدم لها 57 ألف شخص، فاز منهم 3 آلاف فقط، وهناك من يتحدث عن تغيير 150 اسما بعد إعلان فوزهم، ما يطرح السؤال التالي: من قام بهذا التغيير، ولماذا، وما هي الأسماء الجديدة التي وُضعت ضمن المعينين في الوزارة؟
بدوره، يقول إمام مسجد يدعى، أحمد داود، لـ«الأخبار»، إنه كان واضحاً خلال العام الماضي حصول عملية أخونة وتسلف للوزارة. وأشار إلى أنه كان حاضرا في تلك الدورات، ولاحظ أن الفكر الذي كان يدرّس في تلك المحاضرات بعيد عن الفكر الأزهري الوسطي، مضيفاً إن هناك مشايخ من التيار السلفي حضروا في هذه الدورات وألقوا محاضرات عن فكرهم.
أما وكيل وزارة الاوقاف، الشيخ صبرى عبادة، فيرى أن ما حدث خلال الفترة الماضية من استخدام للمساجد في إثارة الفتن، والتحريض على العنف، و«إعلاء السياسة على الدين فيها» كان يوجب اتخاذ مثل هذا القرار «الشجاع»، لافتاً في حديث إلى «الأخبار» الى أن القرار الذي اتخذه وزير الأوقاف بمنع الخطباء غير الأزهريين، غير الحاصلين على الشهادات الجامعية الأزهرية، وغير الحاصلين على مؤهلات عليا، من اعتلاء منابر المساجد، «قرار طال انتظاره»، وسيذكر التاريخ هذا القرار «الفارق والحاسم»، وأنه كان يهدف الى «المحافظة على هوية الدولة الإسلامية الوسطية»، في إشارة الى التيار السلفي، أكثر التيارات اختلافا فكريا مع الأزهر، إضافة إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، الذين رأوا أن الأزهر، وبالتحديد شيخه أحمد الطيب، «مشارك رئيسي في الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس محمد مرسي» في 3 تموز الماضي.
عبادة قال إن المساجد للتعبد، إلا أن هناك تيارك سياسية عديدة استغلت عدم كفاية الأئمة التابعين لوزارة الأوقاف، وصعّدت عدداً من التابعين لها على منابر تلك المساجد، وبدأوا ببث أفكارهم، وتحريض المصلين وبث الأكاذيب للتضليل.
وأشار إلى أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من القرارات الحاسمة في هذا المجال، رافضا أن يفصح عن طبيعة تلك القرارات، مشددا على أن الوزارة ستعمل على تنفيذ قرار الوزير خلال الأيام القادمة، وعلى تشديد رقابة وزارة الأوقاف على جميع المساجد والزوايا.
القرار بالطبع لم يعجب معظم التيارات السلفية والإخوانية، وهاجم أعضاؤها على مواقع التواصل الاجتماعي القرار، بالقول: «يعني السيسي يبني كنائس للنصارى، وجاي يقفل مساجدنا ..اللهم انتقم».