في سوريا سلاح كميائي استدعى أزمة دولية لعلها الأكبر منذ أزمة الصواريخ الكوبية قبل نحو خمسة عقود. وفي إسرائيل، أيضاً، سلاح كيميائي ترجح الإستخبارات الأميركية وجوده منذ عقود ويؤثر البيت الأبيض إحاطته بالصمت كي لا يحرج نفسه والآخرين. فعلى هامش الإنشغال العالمي بالسلاح الكيمائي السوري والإحتمالات المفتوحة لمواجهة الأزمة التي ارتبطت به خلال الأسابيع الماضية، كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أمس، عن وثيقة أعدتها وكالة الإستخبارات المركزية مطلع الثمانينيات تتضمن تقديرات ترجح وجود مشروع إسرائيلي لتطوير وإنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية. وبحسب الوثيقة فإن إسرائيل قررت تطوير هذين النوعين من الأسلحة كإحدى الخلاصات والدروس التي توصلت إليها بعد حرب «يوم الغفران» عام 1973 وشعورها بالتهديد الوجودي حيال الهجوم العربي آنذاك.والوثيقة التي نشرتها المجلة الأميركية كعنوان رئيسي في موقعها على الإنترنت موجودة في مكتبة «رونالد ريغان» الرئاسية في كاليفورنيا، ويعود تاريخ تحريرها إلى عام 1982 في إطار مشروع مسح شامل أجرته وكالة الإستخبارات الأميركية في حينه حول ترسانات أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وكانت السلطات المختصة قد سمحت بنشر معظم أجزاء الوثيقة في السنوات السابقة، وبقي الجزء المتعلق بإسرائيل سرياً حتى الآن.
وتتحدث الوثيقة عن اعتقاد الإستخبارات الأميركية بأن إسرائيل تمتلك بضع مئات من الرؤوس النووية إضافة إلى قنابل هيدروجينية، وتشير إلى أن صوراً التقطها أقمار صناعية أميركية «تكشف على ما يبدو عن تطوير وتخزين غاز أعصاب». ويرجح معدو الوثيقة أن تكون المنشآة النووية في ديمونا أحد الأمكنة التي تجري فيها عملية التطوير والتخزين المشار إليها، كما يشيرون إلى وجود «منشأة أخرى لإنتاج السلاح الكيميائي داخل الصناعات الكيميائية الإسرائيلية»، في إشارة إلى معهد الأبحاث البيولوجية في منطقة «نستسيونا».
ويكتب خبراء «سي آي إي» في الوثيقة «فيما ليس بمقدورنا أن نؤكد إذا ما كان الإسرائيليون يمتلكون مواد كيميائية فتاكة، فإن هناك عدة أدلة تدفعنا إلى الإعتقاد بأنها أتاحوا لأنفسهم القدرة على التزود على الأقل بغاز أعصاب من النوع الفتاك وغير الفتاك وغاز خردل وأنواع أخرى من الغاز لتفريق التظاهرات، إضافة إلى تقنيات إطلاقه». ورجحت «فورين بوليسي» أن يكون الغاز الفتاك من نوع سارين، الذي تدعي الإستخبارات الأميركية أنه استخدم في سوريا قبل أسابيع.
ويضيف الخبراء: «إسرائيل وجدت نفسها محاطة حول حدودها بدول عربية بدأت تهتم بالسلاح الكيميائي، وطورت إدراكاً متزايداً لإمكان تعرضها لهجوم كيميائي. وهذه الحساسية تعززت في أعقاب ضبط كميات كبيرة من التجهيزات السوفياتية ذات الصلة بالسلاح الكيميائي في حرب «الأيام الستة» (1967) وحرب «يوم الغفران» (1973). ونتيجة لذلك، فإن إسرائيل أطلقت برنامجاً للحرب الكيميائية في إطار الإستعداد لاستخدامه في الدفاع والهجوم على حد سواء.
يشار إلى أن المؤرخ الإسرائيلي الشهير، أفنير كوهين، ذكر في كتابه «إسرائيل والقنبلة» أن رئيس الوزراء دافيد بن غوريون أمر سراً بتطوير سلاحاً كيميائياً عام 1956. إلا أن وثيقة «سي آي إي» تتحدث عن شروع إسرائيل في تطوير هذا النوع من السلاح في أواخر ستينيات أو مطلع سبعينيات القرن الماضي.
وفيما رفضت السفارة الإسرائيلية في واشنطن التعليق على التقرير الذي نشرته «فورين بوليسي»، ذكرت الأخيرة أن البيت الأبيض يواصل ومنذ بلورة الإتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية عام 1992 اعتماد سياسة الصمت في كل ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية التي تمتلك إسرائيل على ما يبدو. وكانت تل أبيب وقعت عام 1993 على الإتفاقية التي تحظر نشر واستخدام وتخزين الأسلحة الكيميائية، إلا أنّها - مثل كل من سوريا وكوريا الشمالية - لم تصادق على توقيعها ما يعني أن الإتفاقية لا تلزمها حتى الآن.