رام الله | في فلسطين اليوم يترقبون الحرب بقدر ما يترقبون الخطط والمبادرات التي تُحاك لقضيتهم تحت مسميات من قبيل: السلام العادل والشامل، والشرق الأوسط الجديد. في غزة، قد يدفع الفلسطيني ثمن وجود القطاع في محور المقاومة، وفي الضفة يخشى أن تأتي الصواريخ غير التقليدية من الشمال بنتائج عكسية عليه.
يتضح من خلال الموقف الفلسطيني العام، على المستويين الشعبي والرسمي، أن فلسطين تقف ضد العدوان على جارتها الشمالية، رغم تبايناتها الداخلية في المواقف السياسية بخصوص مجريات الأزمة السورية. الأحزاب والفصائل الفلسطينية، حتى من تعدّه الولايات المتحدة «شريكاً» لها، كلها أجمعت على رفض التدخل العسكري في سوريا. موقف عبّر عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الاجتماع الأخير للمجلس الثوري لحركة فتح، قائلاً: «موقفنا الثابت هو اننا لسنا مع الضربة»، لكنه أكد في موازاة ذلك على «إدانة من استعمل الكيماوي»، وكشف عن طرحه ورقة للحل في سوريا قبلت بها «كل» الأطراف الدولية، «والكثير» من الأطراف العربية والداخلية، على حدّ قوله. كذلك عبّرت الحكومة الفلسطينية عن الموقف نفسه، إضافة إلى بيان موحد صدر عن منظمة التحرير التي تضم طيفاً واسعاً من الأحزاب الفلسطينية.
أما حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، فقد أكدت في بيان لها موقفها «المبدئي» برفض أي تدخل عسكري خارجي في سوريا أو غيرها من الدول العربية والإسلامية، مستدركةً بأنها لا تزال على موقفها «بإدانة المجازر البشعة التي تعرض لها الشعب السوري لأكثر من عامين ونصف، وخاصة المذبحة الأخيرة بالسلاح الكيماوي بالغوطة»، في حين شددت حركة «الجهاد الإسلامي» على أنه «لا يجوز الاستعانة بالمستعمر الأجنبي مهما كانت الظروف».
لكن ذلك الإجماع الفلسطيني على رفض التدخل قابله تباين في المواقف تجاه ردّ الفعل المتخذ في حال تعرضت سوريا لعدوان؛ البعض يعتقد أن «التدخل الخارجي» قد تطول يده لتصل إلى مناطق أخرى في مقدمتها غزة، لا سيما إذا كانت إسرائيل طرفاً في الحرب المقبلة.
بعض الفصائل الفلسطينية في غزة، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، اعتبر ذلك سبباً كافياً للرد العسكري في حال تعرضت سوريا لاعتداء، بينما لا تزال فصائل أخرى تتحفظ على إبداء موقف معلن. فالمتحدث باسم حركة «حماس»، سامي أبو زهري، رد على سؤال «الأخبار» في هذا الشأن بالقول: «إن الموضوع خارج التصريح»، واكتفى بالإشارة إلى البيان الصحافي الذي أصدرته الحركة. أما القيادي في الجهاد الإسلامي أحمد المدلل فاكتفى بتصريح سابق له بالقول: «لكل حادث
حديث».
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت أحد الفصائل التي لم تتردد في التعبير عن موقفها بلا مواربة، حيث هدد المتحدث باسم كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، أبو جمال، باستهداف إسرائيل في حال تمت مهاجمة سوريا، وتعليقاً على ذلك، قال عضو اللجنة المركزية للجبهة، جميل مزهر، لـ«الأخبار»: «من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي في حال جرى هذا العدوان سيحاول جر المنطقة بأكملها إلى حرب، وأعتقد أن قطاع غزة سيكون تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي الجبهة الشعبية، وكتائب أبو علي مصطفى، ستتصدى إلى جانب كل قوى الممانعة لهذا العدوان». وأضاف: «في حال تم شن عدوان على سوريا فستكون له تداعيات واسعة في الإقليم. سوريا ليست وحدها، لأن هذه الضربة التي ستوجه للشعب والدولة هي محاولة لتفتيت المنطقة العربية، في إطار استراتيجية أميركية لحماية أمن دولة الاحتلال، وفي إطار مشروعها الذي يقوم على الفوضى الخلاقة من خلال تقويض المنطقة وتقسيمها وتحويلها إلى طوائف ومذاهب خدمة للمشروع الصهيوني، وبالتالي سنكون أمام ردود فعل كبيرة وقوية رداً على العدوان، سواء من الحلفاء لسوريا، أو من يقفون في وجه المشروع الصهيوني في المنطقة».
من جانبه، رأى عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، لؤي القريوتي، أن الضربة تستهدف محور المقاومة بأكمله، قائلاً لـ«الأخبار»: إن «أميركا دائماً ما تضمر وراء أهدافها المعلنة أهدافاً مبيتة، وموقفنا كان واضحاً منذ البداية، نحن جزء من محور المقاومة، وأي عدوان على أي طرف في هذا المحور هو عدوان على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والهدف منه هو استهداف الثوابت الفلسطينية، لذلك نحن سنكون في مواجهة هذا العدوان، وسندخل في المواجهة بالإمكانيات والقدرات الممكنة».
وعمّا إذا كان هذا الموقف ينسحب على باقي الفصائل المقاومة في غزة، لا سيما أن المقاومة في القطاع تخضع لقرار موحد، قال القريوتي: «من خلال متابعاتنا، من الواضح أن فصائل المقاومة في غزة رافضة للتدخل الأميركي، وكلها تعتبر نفسها ضمن محور المقاومة، وبعض الفصائل أطلقت تصريحات بأن الساعة الصفر ستحدد إذا تم العدوان، ونحن لدينا توقعات أن ساحات المواجهة ستكون أكبر من الأراضي السورية».
وعن احتمال مشاركة كوادر الجبهة في سوريا في القتال إلى جانب الجيش السوري، أوضح القريوتي أن «الفصائل الفلسطينية المقاومة في سوريا، بما فيها الجبهة، هي في خندق المواجهة مع الجيش السوري، وهي ستكون في صفوف القتال الأولى لصد أي عدوان».
بدوره، قال أبو مجاهد، المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، لـ«الأخبار»: «نحن نتوقع من عدونا الأسوأ؛ يبدو أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المخططات الأميركية لضرب سوريا ومخططات الاحتلال الذي يريد أن يجهز على المقاومة في قطاع غزة. نحن مستعدون لأسوأ الاحتمالات، والمقاومة متجهزة لأي ضربة عسكرية على غزة، واليوم كان تجمع الأذرع العسكرية رسالة واضحة على جاهزية المقاومة».
ورداً على سؤال عمّا إذا تحولت الحرب في سوريا إلى حرب إقليمية، قال أبو مجاهد: «في حال حدثت حرب إقليمية، فمن المؤكد أن الاحتلال سيفرض علينا معركة في غزة، وسنكون جاهزين لها، ولكن نحن واثقون من صلابة محور المقاومة الذي استطاع أن يركّع إسرائيل في عدة أيام أمام جنود ومقاتلين، وليس أمام جيش منظم، فكيف بجيش نظامي متكامل العدة والعتاد، يمتلك قدرة أكبر على ضرب أهداف أبعد، وقدرة على ضرب الأهداف بدقة داخل الكيان الصهيوني؟».
وأضاف أبو مجاهد: «شعبنا الفلسطيني ومقاومته لن يكونا منحازين مطلقاً إلى جانب أميركا، هما منحازان إلى الحق الذي يمثله محور المقاومة في هذه المعركة التي فرضت على الشعب السوري والنظام السوري».