شيءٌ ما يُطبَخ في ريف حلب الشمالي. معطياتٌ كثيرة تتقاطعُ في هذا السّياق. وخلال اليومين الماضيين أشارت معلوماتٌ عدّة إلى «تجهيزات سريّة» استباقاً لفتح عدد من المجموعات المسلّحة جبهةً جديدة ضد مناطق نفوذ تنظيم «الدولة الإسلاميّة» في ريف حلب. المعارك بدأت مقدماتُها على الأرض فعليّاً بسيطرة المجموعات على قريتي دوديان، وقره كوبري في الريف الشمالي ولن تتوقّف قبلَ «دكّ معاقل داعش في كامل المنطقة المواجهة للشريط الحدودي كمرحلةٍ أولى»، وفقاً لما أكّده مصدر من داخل إحدى المجموعات لـ«الأخبار». وتُمثّل هذه الخُطّة إحياءً لخططٍ تركيّة قديمة تتعلّق بالشريط الحدودي في المنطقة الحدوديّة الممتدّة بين معبر باب السلامة، ومدينة جرابلس. وتحت شعار «محاربة تنظيم داعش» يبدو فتح المعركة المذكورة «مضمون النتائج» لجهة عدم اتّهام المجموعات المشاركة، أو الجهات الدّاعمة لها بـ«انتهاك اتفاق وقف الأعمال القتاليّة» الذي لا يشمل «داعش» بطبيعة الحال. ومن شأن نجاح المعركة في تحقيق أهدافها أن يُحقق مكاسبَ عدّة، للمجموعات المنخرطة فيها من جهة، وللسلطات التركيّة من جهة أخرى. فهو من جهة سيوفّر «محيطاً حيويّاً» للمجموعات، بعد أن خنقتها عمليات الجيش السوري وحلفائه في الريف الشمالي، ومن جهة أخرى يمنح الأتراك «منطقةً عازلة» تضمن الحدّ من تمدّد الأكراد على طول الشريط الحدودي.
تحت شعار «محاربة داعش» يبدو فتح معركة «مضمون النتائج»
وكان الأتراك قد مهّدوا منذ كانون الأوّل الماضي لتحرّكات من هذا النوع عبر تفكيك ألغام وتمهيد ممرات في المنطقة الحدوديّة المحيطة ببلدة الرّاعي المواجهة للباب، والتي تتوسّط المسافة تقريباً بين اعزاز وجرابلس («الأخبار»، العدد 2799). قرار فتح هذه المعارك لم يُتّخذ بين عشيّة وضحاها، بل استلزم «اجتماعات وتحضيراتٍ عدّة، ودراساتٍ لوجستية مطوّلة» وفقاً للمصدر نفسه. ويُشكّل «فيلق الشام» عموداً أساسيّاً في القوة المُكلّفة العمل على تنفيذ الخطة، كذلك تلعب «القوة المركزية» التابعة لـ«حركة أحرار الشام الإسلامية» دوراً أساسيّاً فيها، بمشاركة من مكوّنات «غرفة عمليات مارع» (تضم «فيلق الشام»، «الجبهة الشاميّة»، «فرقة السلطان مراد» ومجموعات أخرى). وأمس، تداولت بعض الحسابات «الجهاديّة» على موقع «تويتر» معلوماتٍ عن «اجتماع عُقد في تركيا منتصف الأسبوع الماضي» بغيةَ «وضع اللمسات الأخيرة على خُطط الهجوم الوشيك». وتحدّثت المصادر عن «نقل مقاتلين وتجهيزاتٍ عبر معبرَي أطمة وباب الهوى الحدوديّين»، تمهيداً للهجوم الوشيك. ومن المُرجّح وفقاً للمصادر أنّ التحركات التركيّة الداعمة لهذه الخطط ليست في منأى عن التنسيق مع غُرف عمليات «التحالف الدولي». وذهبَ أحد المصادر إلى تأكيد «تلقّي المقاتلين وعوداً بغطاء جوّي تؤمّنه قوّات التّحالف، ومدفعي تؤمّنه المدفعية التركيّة»، الأمر الذي رفض مصدرٌ مرتبطٌ بـ«فيلق الشام» التعليق عليه. المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «فصائل المعارضة المسلّحة كانت أسبقَ من الجميع في محاربة تنظيم داعش، ولم تكن تنتظرُ دعماً من أحد». في الوقت نفسه أكّد المصدر أنّ «أيّ دعم يُقدّم إلينا هو موضع ترحيب طبعاً، سواء في محاربة الدواعش أو محاربة النظام، فكلاهما عدوّ لنا، وهما وجهان لعملة واحدة». ومن شأن هذه التطورات (حالَ حدوثها) أن تضعَ مناطق الشمال السّوري أمام احتمالاتٍ عدّة في ما يخصّ العلاقة بين المجموعات والكيانات المتعدّدة التي تنخرطُ في محاربة «داعش»، وتسعى إلى ضم مزيد من المناطق إلى سيطرتها، وضمن إطار السّباق المستمر على «كعكة الشمال» (الأخبار، العدد 2757). وحتى الآن، تبدو «قوات سوريا الديموقراطيّة» صاحبة الكعب الأعلى في هذا السياق. وأمس، شهدت الأخيرة توسّعاً جديداً في مكوّناتها عبر انضمام «لواء جند الحرمين» الذي كان محسوباً على «الجيش الحر» إلى صفوفها. فيما بدأت خلال الأيام الأخيرة أسهمُ «جيش سوريا الجديد» في الارتفاع من جديد، بعد تلقّيها «دعماً جديداً بأسلحةٍ وعتادٍ متطوّر» وفقَ مصادرَ متقاطعة. وكان «الأمين العام لجبهة الأصالة والتنمية» خالد الحمّاد قد أكّد أخيراً تبعيّة «جيش سوريا الجديد» لـ«الأصالة والتنمية»، وهو أمر كانت قد أشارت إليه «الأخبار» في تشرين الثاني الماضي (راجع العدد 2736). وقال الحماد عبر صفحته على موقع «تويتر» إنّ «جيش سوريا الجديد فصيل أسسته جبهة الأصالة بدعم التحالف الدولي ومن أبناء المنطقة الشرقية وله جبهات قتال ضد النظام وتنظيم الدولة». وأكّد الحمّاد تلقّي الدعم الدولي مثل «كل الفصائل في سوريا (...) هذا الأمر لا محظور فيه ما لم تكن إملاءات من الداعم تخالف الدين أو المصلحة الوطنية». كذلك حرص على مهاجمة «قوّات سوريا الديموقراطية» ووصفها بأنّها «ميليشيات ذات مشروع انفصالي تتعاون مع نظام الأسد وتنسق معه». مصدر كرديّ مرتبط بـ«وحدات حماية الشعب» المنضوية في «سوريا الديموقراطية» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «استهدافنا عبر هذه الأذرع التركيّة في المستقبل ليس مُستبعداً، بل ونُرجّح حدوثه». المصدر أكد أنّ «التحركات التركية المستمرّة لضربنا لم تهدأ طوال السنوات الماضية، ما يحدث هو تجديد للأدوات لا أكثر». في الوقت نفسه حرص المصدر على تأكيد «تحاشينا مهاجمة أيّ فصيل لا يعتدي علينا، باستثناء التنظيمات الجهادية المتطرفة».