هل كان اختيار إسرائيل توقيت إجراء تجربة صاروخية، على الرغم من حالة التوثب الأميركي في مواجهة سوريا وما يرافقها من توتر على مستوى المنطقة، عرضياً، أم كان بهدف توجيه رسائل مضادة تؤكد فيها جاهزيتها واستعدادها لمواجهة قد تكون مرتقبة مع سوريا وحلفائها؟
بالرغم من أن توقيت التجربة الإسرائيلية يرجّح نظرية الرسالة المضادة، حرصت إسرائيل من خلال بعض المعلقين على التأكيد أنّ التجربة الصاروخية كانت إجراءً تقليدياً، وأن ما أضفى عليها طابعاً خاصاً هو تزامنها مع الوضع الاستثنائي الذي تمرّ به سوريا والمنطقة. وفي هذا الإطار، رأى معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنّ التجربة الصاروخية الإسرائيلية أتت ضمن إطار مشروع الدفاع الصاروخي «حوما»، لكن تداخلت، بدون قصد مسبق، مع التوتر الاقليمي والدولي المتصل بالعملية الأميركية المفترضة في سوريا. وفي ضوء ذلك وضع هرئيل التجربة ضمن الإطار التقليدي، خاصة أن إسرائيل سبق أن أجرت في مراحل سابقة تجارب صاروخية متنوعة.
وضمن سياق التشديد على الطابع التقليدي للتجربة، رأى هرئيل «أنّهم في واشنطن وتل أبيب لم يقدروا أن التجربة ستعزّز التوتر في المنطقة»، مشيراً إلى أنّ إطلاق الصاروخ تم تشخيصه بداية من قبل الروس الذين وضعوه ضمن إطار الاستعداد لمهاجمة سوريا. وبعد أكثر من ساعة، من البيان الروسي، أوضحت إسرائيل ما جرى بالقول إنّ التجربة تضمنت إطلاق صاروخ هدف «انكور» الذي عادة ما يُطلق ضمن سياق اختبار منظومة الاعتراض الصاروخي «حيتس»، لكن هذه المرة أُطلق بدون محاولة اعتراضه، والسبب بحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية أنّ العملية استهدفت «إطلاق الصاروخ وتتبّعه من قبل رادار منظومة حيتس».
وفيما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنّ التجربة جرت بالتنسيق مع المنظومة الأمنية الأميركية، أضاف هرئيل أنّ هذه التجارب في العادة تثير اهتماماً محدوداً من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي لا يعلن عنها في الوسائل العلنية. لكن الذي جرى هذه المرة، بحسب هرئيل أيضاً، أن عملية الإطلاق شخّصها الروس، الأمر الذي يعكس وجود جاهزية روسية لمراقبة ما يجري في المنطقة، في ظل الخشية من هجوم أميركي ضد سوريا. وتابع هرئيل أن التجربة جرت على بعد مئات الكيلومترات جنوبي الحدود السورية، ولكن في ما يتعلق بكيفية فهم الروس للتجربة وما إذا كانوا اعتقدوا بأن المسألة تتعلق بالاستعداد لشن هجوم، أو أنهم أرادوا تسخين المنطقة عبر إعلان دراماتيكي، رأى هرئيل أن الجواب على ذلك «غير واضح كلياً».
وفي ما يتعلق بالتساؤلات التي يثيرها تشديد هرئيل على التزامن العرضي بين التجربة وحالة الاستنفار المتبادل بين إسرائيل وواشنطن وبين الجيش السوري، وعدم حضور الأبعاد التي ينطوي عليها إجراء هذه التجربة في ظل الظروف الحالية، مسبقاً لدى القيادة الإسرائيلية وربما الأميركية، رأى هرئيل أنهم في إسرائيل افترضوا خطأً أن من الممكن تنفيذ التجربة بدون أن يفسر الأمر على أنه جزء من التوتر. وأضاف أن فرضية إمكان الفصل بين التجربة وبين ما يجري في سوريا كانت مشتركة بين المؤسستين الأمنية الأميركية والإسرائيلية.
واستدل هرئيل على هذه الفرضية (الفصل) وعلى أنها لا تنطوي على أي رسالة إقليمية بالقول إنه على عكس فترات التوتر السابقة التي جرت فيها حرب نفسية وإطلاق مواقف بين إسرائيل من جهة وبين سوريا أو إيران، فإن عملية الاطلاق هذه المرة كانت صغيرة نسبياً ولم يرافقها عرض قدرات مثيرة جديدة. ولفت هرئيل إلى أنّ مساراً كهذا ينبغي أن يكون منسقاً مع واشنطن، بسبب أن التجارب المشتركة مع الوكالات الأميركية للدفاع ضد الصواريخ تجري بتمويل من منظومة الاعتراض الصاروخي.
مع ذلك، أورد هرئيل ما يمكن اعتباره السبب الأساس لحرص إسرائيل على عدم تظهير التجربة إعلامياً وسياسياً، بالقول إنّ إسرائيل تحاول في هذه الأيام الحفاظ على بروز إعلامي منخفض نسبياً، عبر الامتناع عن إطلاق بيانات مفصلة حول نيّاتها، ما دام الكونغرس الأميركي لم يحسم وجهة الولايات المتحدة في سوريا. كذلك فإنّ حكومة نتنياهو تتبنّى، بالإجمال، خطاً أمنياً مسؤولاً، تمتنع من خلاله عن (النهج) التصادمي في الساحة الشمالية. وفي ضوء ذلك، فإنّ الجهة التي تعبّر عن هذا التوجه هي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي دشّن خلال الـ24 ساعة الماضية مشروعين كبيرين يتعلقان بالبنية التحتية، وتحدث عن الوضع الاقليمي بنحو عام نسبياً. وأعلن خلاله الاستعداد العالي لإسرائيل، محذراً ضمناً الرئيس السوري بشار الاسد من مهاجمة إسرائيل من دون أن يتطرق إلى ذلك بالتفصيل، لكن مع التكرار والتذكير الدائم من قبل القيادة الإسرائيلية بأن إسرائيل قوية وواثقة بنفسها.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أفادت باكراً أنّ «الصاروخين الباليستيين اللذين رصدا عبر الرادارات الروسية سقطا في البحر المتوسط».
ثمّ أعلنت بريطانيا أنّها على علم بإطلاق الصاروخين في المتوسط، لكنها نفت أي علاقة لها بالموضوع، لتحسم تل أبيب الجدل، مؤكدة أن التجربة هي لإطلاق صواريخ باليستية، تمّت بالاشتراك مع الولايات المتحدة.