في مقابلة طويلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عرض فيها المشهد السوري بكل أبعاده الإقليمية والدولية، تحدّى الغربيين في أن «يقدموا دليلاً واحداً» على الاتهام الموجّه لجيشه باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة، معتبراً أنه «بالنسبة إلينا، القوي هو من يمنع الحرب وليس من يفتعلها ويشعلها. القوي هو الذي يقف ويعترف بخطأ اقترفه. لو كان (الرئيس الأميركي باراك) أوباما قوياً لوقف وقال لا يوجد لدينا أدلة على استخدام الدولة السورية للسلاح الكيميائي.. لوقف وقال: إن الطريق الوحيد هو تحقيقات الأمم المتحدة، وبالتالي فلنعد جميعاً إلى مجلس الأمن. لكنه، وحسب ما أرى، كان ضعيفاً، لأنه خضع لبعض الضغوط الداخلية وهدد بالحرب». وعن رسالته إلى أعضاء الكونغرس، قال الأسد «من يرد أن يأخذ القرار فعليه أن يسأل نفسه سؤالاً بديهياً قبل أن يصوّت وهو: ماذا حققت الحروب لأميركا أو حتى لأوروبا؟ ماذا حقق العالم من الحرب على ليبيا ودعم الإرهاب فيها؟ ماذا حقق العالم من حرب العراق وغيرها؟ وماذا سيحقق العالم من دعم الإرهاب في سوريا؟... ما مصلحة الولايات المتحدة في أن تزيد من الاضطراب والتطرف في الشرق الأوسط؟ ما مصلحتهم في استمرار ما بدأه جورج بوش وهو نشر الحروب في العالم؟». وأشار إلى أن «الأميركيين يقولون شيئاً في الصباح ونقيضه تماماً في المساء.. ما دامت أن أميركا لا تتبع ولا تستمع إلى الأمم المتحدة فعلينا ألا نطمئن».
الأردن واعٍ بخلاف أردوغان
وشدد الأسد، رداً على سؤال عن طريقة ردّه على العدوان المرتقب، «تتحدث عن برميل بارود هو الشرق الأوسط، وقد اقتربت النار جداً من هذا البرميل. فالموضوع لا يعد فقط بالرد السوري، بل بماذا سيحدث بعد أول ضربة. من يضع اليوم خطة الحرب يمكنه أن يجيبك عن أول خطوة فقط، أي ماذا سيفعل هو، لكن بعدها لا يمكن أحداً أن يعرف ما الذي سيحصل، والجميع سيفقد السيطرة عندما ينفجر برميل البارود. لا أحد يملك جواباً عن الشكل النهائي لما سيحدث، لكن الأكيد هو الفوضى، الحروب، التطرف وتداعياته في كل مكان».
أما عن رسالته إلى الأردن وتركيا، فقد أكد الأسد أن «سياستنا ألا ننقل مشاكلنا إلى دول الجوار، وبالتالي كنا نتعامل مع الآلاف من الارهابيين الذين أتوا سابقاً من الأردن ونضربهم داخل سوريا، كما أن الأردن أعلنت أنها لن تكون منطلقاً لأي عمليات عسكرية ضد سوريا. لكن لو فشلنا في ضرب الإرهاب في سوريا، فبطبيعة الحال سوف ينتقل إلى دول أخرى، وسيزيد انتشار التطرف والفوضى». وأضاف «نحن قلنا هذا الكلام مرات عدة، وأرسلنا لهم رسائل مباشرة وغير مباشرة. وأعتقد أن الأردن واع لهذا الموضوع، رغم الضغوط عليه ليكون ممراً لهذا الإرهاب. أما أردوغان فلا أعتقد على الإطلاق أنه يعي ما يفعل. المهم بالنسبة إلى سوريا الآن هو ضرب الإرهاب داخل سوريا».
روسيا تدافع عن الاستقرار
ورداً على سؤال عمّا إذا كان يعوّل على حزب الله وإيران في حال وجّهت هذه الضربة، قال الأسد «الآن لا أريد أن أتحدث نيابة عنهم، لكن تصريحاتهم كانت واضحة. وبما أننا ذكرنا أن القضية إقليمية، فلا يستطيع أحد أن يفصل مصالح سوريا عن إيران ومصالح سوريا وإيران وحزب الله عن مصالح دول أخرى تقف معنا». وأضاف «اليوم استقرار هذه المنطقة يتوقف على الوضع في سوريا. وهناك وعي روسي لهذا الموضوع. لذلك روسيا لا تدافع عن الرئيس ولا عن الدولة السورية، بل عن الاستقرار في هذه المنطقة، لأن الأمر سينعكس أيضاً على روسيا. إن أي نظرة إلى الأمور تحت عنوان تحالف سوريا مع إيران هي نظرة ضعيفة ومحدودة.. فالموضوع أكبر من ذلك».
وعن رؤيته لمخرج من الأزمة، أكد الأسد أنه «عندما تكون الأزمة في بدايتها وتتحدث عن حل، فذلك يختلف تماماً عن الحديث عن الحل اليوم... الحل اليوم هو وقف إدخال الإرهابيين من خارج سوريا، بما في ذلك وقف دعمهم بالمال والسلاح وأي دعم آخر»، مشيراً على وجه الخصوص إلى «السعودية في الدرجة الأولى، وتركيا، والأردن عبر تهريب المسلحين، وفرنسا وبريطانيا وأميركا».
وعمّا إذا كان لديه دليل على تورط فرنسا، قال الأسد إن «مواقفها السياسية والتحريض الذي تقوم به تنفيذاً لسياسات دول أخرى كقطر وغيرها دليل كاف بالنسبة إلينا».
فرنسا ستخسر مصالحها في المنطقة
وعن تفسيره لموقف فرنسا منه اليوم بينما كان صديقاً للرئيس نيكولا ساركوزي، قال الأسد «لم تكن علاقة صداقة، كانت محاولة لتغيير توجه السياسة السورية من قبل فرنسا بتكليف أميركي، وكان هذا الموضوع واضحاً بالنسبة إلينا. حتى التحول الإيجابي تجاه سوريا عام 2008 كان بتأثير قطري، والانقلاب الفرنسي السلبي عام 2011 أيضاً كان بتأثير قطري. لأكن واضحاً.. السياسة الفرنسية تجاه سوريا كانت تابعة تماماً لما تريده قطر وأميركا».
وعن رسالته إلى البرلمانيين الفرنسيين، قال الأسد «منذ أيام نقل تصريح عن لسان وزير الداخلية الفرنسي قال فيه: إن مشاركة فرنسا تنتظر الكونغرس الأميركي، ولم يقل إنه ينتظر البرلمان الفرنسي. وبالتالي أنا أسألك هنا لمن تتبع الحكومة الفرنسية في قرارها، للبرلمان الفرنسي أم للكونغرس. منذ عام 2003، وعلى خلفية غزو العراق، وموقفها قبل الحرب، قررت فرنسا أن تتخلى عن استقلاليتها وأصبحت تابعة للسياسة الأميركية. هذا ينطبق على شيراك بعد الحرب، على ساركوزي، والآن هولاند، والسؤال هنا، هل اجتماع البرلمان الفرنسي سيعني عودة استقلالية القرار الفرنسي إلى الفرنسيين؟ نتمنى أن يكون الجواب نعم».
وأضاف «لا أعرف إن كانت (فرنسا) ستضرب أو لا. هذا يعتمد على تداعيات الحرب. لكن بكل تأكيد ستخسر مصالحها.. هناك كره واحتقار تجاه السياسة الفرنسية. هذا أصبح واضحاً، وهو ينعكس على المصالح بشكل مباشر». وعمّا إذا كانت فرنسا أصبحت دولة معادية لسوريا، قال الأسد إن «كل من يشارك في دعم الإرهابيين سياسياً أو مالياً أو عسكرياً هو عدو الشعب السوري. كل من يساهم في مقتل جندي عربي سوري هو عدو لسوريا. كل من يعمل ضد مصالح سوريا ومواطنيها هو عدو. أنا لا أتحدث عن الشعب هنا، لأنني أرى أن الحكومة الفرنسية تسير عكس مصالح شعبها ورغباته. فعلينا أن نفرّق بين الشعب العدو والدولة العدوة. الشعب الفرنسي ليس عدواً، لكن سياسة دولته معادية للشعب السوري. وبقدر ما تكون سياسة الدولة الفرنسية معادية للشعب السوري تكون عدوة له، وينتهي هذا العداء عندما تغيّر الدولة الفرنسية سياساتها».
(الأخبار)