القامشلي | طالما دخل الكردي المعارك برصاصتين، يطلق الأولى على عدوه والثانية على نفسه. التاريخ يعيد ذاته. حرب إعلامية، غير مسبوقة، تخوضها وسائل محسوبة على قيادة إقليم كردستان العراق من جهة، وأخرى تابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي عمّق جذوره على الحدود الغربية للإقليم. الحرب تشي بخلافات سياسية عميقة على تقاسم النفوذ في المنطقة الكردية بسوريا. أربيل ترغب في سماع صوتها من القامشلي، فيما يرفض حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، المقرب من «الكردستاني»، التنازل عن مكتسباته. وفيما يتفق المتخاصمان على نبذ ماضٍ دموي، جمعهما في ساحة معركة «خاسرة» للطرفين، يبدو أن لا مفر من فتح الجبهة الإعلامية. بوادر قوة أربيل الإعلامية، كردياً، ظهرت أخيراً، عبر مؤسسة «روداو»، التي أطلقت قبل أشهر فضائية تحمل الاسم ذاته. وقد راجت مزاعم عن تلقي المؤسسة، الناطقة بالكردية، نحو 30 مليون دولار من عائدات نفط الإقليم (بدعم من الديموقراطي الكردستاني بزعامة الرئيس مسعود البرزاني)، وهو ما ينكره مسؤولو المؤسسة الإعلامية، الذين يؤكدون استقلالية الشبكة. ويفيد رئيس قسم الأخبار في فضائية «روداو»، ريبوار كريم، بأنّ مؤسستهم «كردستانية مستقلة». ويضيف لـ«الأخبار»، أنّ «روداو» ليست مرتبطة بأي حزب سياسي، وأنها «لسان حال الشعب الكردي في كلّ مكان».
ومعروف للمتابع أن «العمال الكردستاني» يمتلك آلة دعائية جبارة في مواجهة خصومه وتعبئة مناصريه. ويتهم «الكردستاني»، وسائل إعلام تابعة للإقليم بالتعمد في «تشويه الوقائع» في المناطق الكردية بسوريا. وفي هذا الصدد، يبدي قيادي في قوات «الأسايش» أو الشرطة الكردية في سوريا، استغرابه من تغطية وسائل إعلام كردية للتطورات الجارية هناك، معتبراً أن هذه الوسائل «تحاربهم» أكثر من بعض إعلام «الخصوم والأعداء».
في المقابل، يفيد بيان أصدرته مؤسسة «روداو»، بأنّ الإعلام التابع للحزبين «PKK» و«PYD»، يقوم بحملة منظمة على المؤسسة، واتهامها بالارتباط مع وكالة الاستخبارات التركية (MIT). ويقول البيان: «نحن لن نكون طرفاً، ولن نهاجم الـPKK، والأحزاب القريبة منها. ونطالبهم بالكف عن تشويه صورة المؤسسة». كذلك يُحمّل البيان، الكردستاني مسؤولية سلامة كوادرها في سوريا.
ويكثر الحديث عن وجود تضييق على مراسلي وسائل إعلام محددة في المناطق الكردية بسوريا. ونشرت شبكة «روداو» أخيراً، خبراً يفيد بمنع مراسليها من العمل إذا لم يقدموا طلبات الانتساب إلى مؤسسة «الإعلام الحر» التابعة لـ«PYD». ويؤكد ريبوار كريم، إن قناتهم تعمل هناك لنقل حقيقة ما يجري. وفيما يرفض كريم التضييق على مراسليهم و«منع حركتهم»، يستدرك بالقول: «إذا نقل المراسل خبراً غير صحيح، يمكن الأطراف التي تعترض أن تقيم دعوى على القناة».
القصة ليست كذلك، على ما يوضح الناطق الإعلامي باسم وحدات الحماية الشعب (YPG)، ريدور خليل، الذي يؤكد وقوفهم على «مسافة واحدة» في التعامل مع كافة وسائل الإعلام. ويضيف خليل لـ«الأخبار»، إنهم كمؤسسة عسكرية لديهم إجراءاتهم تجاه الصحفيين. وإذا ارتبطت التغطية بالشأن العسكري، فإنّ ذلك يكون بالتنسيق مع المكتب الإعلامي لوحدات YPG، لتسيير مهمة الإعلامي. ويقول خليل إنه سمح أخيراً لطاقم من فضائية «روداو» بالاطلاع على «أكثر الأمكنة حساسية» في مدينة سريه كانيه (رأس العين)، التي تشهد مواجهات عنيفة مع الكتائب المتشددة.
ويعتقد البعض أنّ هذه الحرب الإعلامية تُسهم في إعادة الشارع الكردي السوري إلى سنوات «سوداء»، راهن البعض على أنها لن تعود، حيث زيادة الهوة بين مناصري الحزبين، الذين بدأوا بتراشق التُّهم. غير أن الكاتب والصحفي الكردي السوري طه الحامد، يعتقد أن هذه الحرب الإعلامية تظهر على السطح وكأنها نتاج الصراع السياسي حول المناطق الكردية في سوريا، ولكن بالعمق هناك تنسيق بين الطرفين على المستوى القومي «ولهم رؤية قومية مشتركة».