خلال الاسبوع الماضي، أُغرقت عواصم المنطقة بسيل من التقارير الدبلوماسية المسربة من واشنطن ولندن وباريس، وكلها تستشرف ما اذا كان الرئيس الأميركي باراك أورباما فعلاً ذاهب لتوجيه ضربة الى سوريا وأسبابه في ذلك. ومع نهاية الاسبوع، تغيرت عناوين هذه التقارير ليصبح السؤال هل يستطيع أوباما توجيه مثل هذه الضربة؟
احدث تقرير دبلوماسي من واشنطن عكس السؤال راساً على عقب، حيث يقول انه بعد رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة في ضربة اوباما لسوريا، والتحاق كندا بنفس الموقف، وتنسيق المانيا مع روسيا في الاتجاه ذاته، ثم خطاب أوباما التراجعي، فان العنوان السائد الان في الكواليس الاميركية يتحدث عن ان الازمة السورية كشفت «ازمة الغرب» غير الموحد.
ويركز التقرير على عنوانين اثنين الاول، يتعلق بوقائع الكونغرس يوم ٩ أيلول. حيث ان «أوباما سيحاول أخذ النقاش الى مسألة محددة، وهي مسؤولية اميركا في الرد على استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي، والتركيز على ان هذا السابقة التي ارتكبها الاسد تمثل خطرا على الامن القومي الاميركي. واستدراكا، سيذكر أوباما بمسؤولية اميركا تجاه حماية معاييرها في العالم، وقيامها بها، لانها من خلال ذلك تثبت مكانتها كقائدة له».
لكن الكونغرس ـــ يضيف التقرير ـــ وبخاصة الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب، لن يوافقوا على جعل النقاش محصورا في هذا الاطار، والامر نفسه سيفعله نواب ديموقراطيون. وبموجب معلومات ينسبها التقرير إلى مصادر في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، فان الاغلبية ستدير النقاش مع أوباما انطلاقا من اطار اخر، يشتمل على «حزمة أسئلة مترابطة» كانت قد وضعتها لجنة العلاقات الخارجية قبل نحو شهرين وفيها:
«ما هي اهداف السياسة الاميركية في سوريا اليوم؟ هل هي حماية المدنيين ام دعم المعارضة من اجل اسقاط الرئيس بشار الاسد؟ ام تأمين أسلحة الدمار الشامل السورية» . على ان السؤال المركزي الذي سيوجه إلى اوباما هو : «هل بالإمكان فصل هذه الأسئلة وإجاباتها بعضها عن بعض؟ ويبدو ان إجابة الأغلبية في الكونغرس ستكون: لا يمكن».
ويكشف التقرير عن نماذج من «الأسئلة المترابطة»، المشتملة عليها «حزمة الاسئلة» التي سيركز عليها الكونغرس في نقاشه مع أوباما يوم ٩ أيلول؛ و ابرزها «ماذا ستكون عليه سوريا بعد رحيل الاسد؟ وبالاساس هل بالإمكان التوصل الى حل سلمي سياسي يحفظ الدولة السورية، ويكون مقبولا للاميركيين؟ لماذا نعم ولماذا لا؟ كيف تستطيع بلدان غير اميركا ان تساعد على تقديم إجابات مع ضمانات عن هذه الأسئلة؟ ما هي الجهات القادرة على التدخل العسكري، وضمن اي موارد واية أكلاف وأي تكليف، وأي حشد ميداني ودبلوماسي؟ وما هي المخاطر، وكيف ستنعكس على الامن الاقليمي؟ وما هي الأسباب المباشرة للتدخل العسكري؟ ودور اميركا فيه؟ وانعكاساته على المعارضة وتماسكها؟ وهل سيؤدي إلى تقوية المعارضة المتطرفة؟ وما هو دور هذه الاخيرة بعد انهيار النظام؟ وما هي العلاقة الحالية والمتوقعة بين مكونات المعارضة وإسرائيل؟ وما هي نتائج التدخل على انشاء معاهدة سلام سورية ـــ إسرائيلية؟ وكيف يضمن التدخل العسكري عدم انتقال السلاح غير التقليدي الى منظمات ارهابية داخل سوريا؟ وما هي صدقية المعارضة في تأمين ضمانة لهذا المطلب؟».
وينقل التقرير عن مقربين من البيت الابيض «تشاؤمهم» من نتيجة ٩ أيلول، لان أوباما «ليس لديه أجوبة عن أسئلة الكونغرس المترابطة. فما يطرحه خطة جزئية لها طابع الرسالة العسكرية، بينما الجمهوريون منقسمون بين خياري «خطة حسم عسكري جذري» (جون ماكين) او خطة طويلة الامد تحول دون تورط اميركا عسكريا في الازمة السورية، وفيما يريد اوباما تفويضا جزئيا لهدف جزئي في سوريا، فان بيئة واسعة من الجمهوريين والديموقراطيبن تريد إجابة كلية عن أسئلة مترابطة عن حل الازمة في سوريا».
النقطة الثانية في التقرير تتعلق بـ «الدور المزدوج» الذي أدّاه وزير الخارجية جون كيري في جعل اوباما يصبح اسير الخط الاحمر الذي وضعه للاسد بخصوص السلاح الكيميائي. و يكشف التقرير «أن كيري منذ تعيينه كشف للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند انه متحمس للانخراط اكثر في الازمة السورية، في مقابل ان أوباما يفضل الجمود عند ثوابته التي منها عدم التدخل العسكري».
ويؤكد التقرير «ان كيري ابرم نوعين من الشراكة خلال الفترة الماضية: شراكة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف للبحث عن مخارج سياسية للازمة السورية، وشراكة مع هولاند غير معلنة وغير مرئية في بعض تفاصيلها حتى بالنسبة إلى اوباما، وهدفها تشجيع قيام لوبي دولي ضاغط على أوباما لاقناعه بخارطة طريق تمزج بين الحل السياسي والضغط العسكري على الرئيس الاسد».
ويلفت التقرير إلى انه عشية الغارة الاسرائيلية على دمشق، ثارت بوجه أوباما موجة مساءلة من اعضاء في الكونغرس، اتهموه فيها بانه جبن امام الاسد، رغم ورود معلومات عن ان الاخير تجاوز خطه الأحمر من خلال استخدامه السلاح الكيميائي مرتين على الاقل. رد أوباما حينها بعدم وجود اثباتات، لكن المفاجأة حصلت عندما تدخلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركي الــ «سي اي ايه» في هذا النقاش لمصلحة وجهة نظر اعضاء الكونغرس، حيث قدمت تقريرا استخباريا يؤكد استعمال الاسد الكيميائي مرتين على الاقل . إثر ذلك، انحاز كيري إلى بيئة الاصوات التي تطالب الرئيس بتوجيه ضربة تأديبية إلى الاسد، ما اضطر أوباما إلى توجيه رسالة إلى الكونغرس يتعهد فيها أنه سيواصل التحقق من سلوك الاسد الكيميائي.
ويرى التقرير ان كيري راهن على ان موافقة باريس على ضربة عسكرية لسوريا ستجر وراءها كل دول اوروبا إلى الموقع نفسه، لكن المفاجأة القاتلة التي واجهها رهانه هذا، هي موقف البرلمان البريطاني، الذي حشر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في زاوية عدم الاشتراك في الضربة، ما استدرج كندا المحسوبة على سياسة الكومنولث إلى الموقف نفسه. ويضيف التقرير انه «وطوال فترة الساعات التي سبقت اعلان أوباما انه بحاجة إلى تفويض من الكونغرس، ظن هولاند انه ضحية كمين بريطاني، حيث إن لندن لم تنسق معه آليات اتخاذ قرار الاستجابة لطلب أوباما من عدمه، ما اظهر هولاند كأنه الديكتاتور الاخير في اوروبا، الذي ياخذ بلده إلى الحرب من دون سؤال شعبه وممثليه في الجمعية الوطنية الفرنسية.
يختم التقرير هذه الجزئية بنقل معلومات من داخل الادارة الاميركية، تتوقع ان يجري أوباما بعد فترة صدمة داخل الخارجية، قد تشتمل على تغييرات تستهدف حتى كيري نفسه. ولائحة أسبابها تضم فشل الدبلوماسية الاميركية في حشد تحالف دولي وراء قرار أوباما بضرب سوريا، شبيه بذاك الذي نشأ اثر قرار واشنطن بضرب العراق، لكن السبب الخفي يتمثل في ريبة أوباما من ازدواجية أجندة كيري تجاه الازمة السورية.
خلفيات موقف بريطانيا
يكشف التقرير عن «مفاجأة تعاملت معها دمشق بحذر» وتمثلت في انفتاح بريطاني تمثل في قيام لندن – ودائما بحسب التقرير – بتفويض مسؤولا في وزارة الخارجية البريطانية (خلال النصف الاول من شهر اب) نقل اقتراح الى النظام السوري عبر طرف ثالث، بالدعوة الى «إقامة حوار بينه وبين قيادة الجيش السوري الحر». وقد رفضت دمشق هذا الاقتراح، على اعتبار انه يعبر عن مناورة سياسية تنفذها لندن لقطع مسار تعاظم انشقاقات جرت أخيراً داخل الجيش الحر لمصلحة عودتهم إلى حضن مؤسسة الجيش العربي السوري.