بعد الانفراجة التي حملتها أنباء خلال الأيام الماضية عن مفاوضات مباشرة بين السعودية وحركة «أنصار الله»، يبدو أنه بالفعل جرى التوصل إلى تفاهمات تفضي إلى التهدئة بين الطرفين على مسافة أسبوعين من دخول الحرب السعودية على اليمن عامها الثاني.
وبرغم المعلومات المثارة حول التهدئة والتفاؤل بوقف عمليات التحالف السعودي بعد انخفاض عدد الغارات الجوية أمس بصورة غير مسبوقة، يخيّم الحذر على الأجواء اليمنية، ولا سيما لدى «أنصار الله» التي لا تأمن للطرف الآخر بعد التجارب الفاشلة لوقف العمليات القتالية سابقاً، إلا أن الجديد هذه المرة أن التفاهم العسكري جاء نتيجة الانتقال من مرحلة التفاوض مع حلفاء السعودية اليمنيين الذين لا يمتلكون قرار الحرب والسلم إلى التفاوض المباشر مع الرياض.
وعلمت «الأخبار» أن المفاوضات بين الطرفين جرت على مستوى مسؤولين أمنيين في منطقة حدودية بالإضافة إلى وفد «أنصار الله»، وعلى رأسه القيادي في الحركة محمد عبد السلام، بخلاف المعلومات الصحفية التي تحدثت عن توجه الوفد إلى الرياض. وقال مصدر يمني مطلع إن اللقاء «نجح في تثبيت خطوة أولى في طريق تفاهمات على وقف الحرب والحصار وفي التوصّل إلى حلول جذرية»، مضيفاً أن اللقاء «كان إيجابياً ويبني أرضية لتفاهمات تنهي الوضع القائم في اليمن منذ نحو سنة».
أكد الجبير التزام الخليج تسوية سياسية «تنطلق من إرادة يمنية»

وكانت قيادة التحالف السعودي قد أعلنت صباح أمس «سعي شخصيات قبلية واجتماعية يمنية إلى إيجاد تهدئة على الحدود اليمنية المتاخمة للمملكة لفسح المجال أمام إدخال مواد طبية وإغاثية للقرى اليمنية القريبة من مناطق العمليات». وجاء بيان «التحالف» بمثابة الإقرار الاوّل بالمواجهات العسكرية في المناطق السعودية الحدودية، علماً بأنها أعلنت مقتل نحو 90 عسكرياً سعودياً على الحدود خلال الحرب، من دون إعطاء تفاصيل عن ظروف مقتلهم.
وأكد بيان التحالف الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية استعادة المعتقل السعودي العريف جابر أسعد الكعبي وتسليم سبعة أشخاص يمنيين «أُلقي القبض عليهم في مناطق العمليات بالقرب من الحدود السعودية الجنوبية».
وفي تكرار لمضمون البيان، أنكر المتحدث باسم «التحالف»، العميد أحمد عسيري، إجراء محادثات مع «أنصار الله»، إذ أكد أنه «لا مفاوضات مع الحوثيين أو علي عبد الله صالح، بل وساطات قبلية فقط»، مشيراً إلى أن «التحالف يدعم الحكومة الشرعية، وليست له أهداف في اليمن». وفي مؤشر لافت على أن تعديلاً قد طرأ على الخطاب السعودي، قال عسيري إن «التحالف يفرّق بين الحوثيين كمكوّن سياسي يمني وبينهم كميليشيات مسلحة». غير أن عسيري استبعد صالح من واقع النفوذ العسكري، قائلاً في التصريح نفسه إن الرئيس السابق «ليس طرفاً في المعادلة السياسية، وإن الحوثيين هم من يسيطرون على العاصمة صنعاء»، في كلام يناقض تصريحاته السابقة عن الحلف القائم بين القوات الموالية لصالح بداخل الجيش اليمني وبين مقاتلي «أنصار الله»، وهو ما قد يشير إلى نية استبعاد صالح عن أي تسوية مرتقبة وحصر المحادثات مع الحركة اليمنية.
وفي سياق التصريحات السياسية التي عكست «ليونة» مستجدّة إزاء الملف اليمني، أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، التزام دول الخليج تسوية سياسية لأزمة اليمن «تنطلق من إرادة يمنية». وفي ختام اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض أمس، قال الجبير إن دول الخليج «تدعم جهود المبعوث الدولي إلى اليمن وتؤمن بأن تسوية الأزمة يجب أن تكون سياسية»، مضيفاً أن «الشعب اليمني هم إخواننا وجيراننا، وإذا مرض اليمن فستصيب العدوى كل دول مجلس التعاون». وكرر الجبير في الوقت نفسه قوله إن على «إيران البقاء خارج اليمن».
وكان القيادي في «أنصار الله» والعضو في «اللجنة الثورية العليا»، يوسف الفيشي (أبو مالك)، قد طلب من مسؤولين إيرانيين، عبر صفحته على موقع «فايسبوك» التوقف عن المزايدات والاستغلال في الملف اليمني، داعياً إياهم إلى «تعلم المسؤولية والشجاعة من السيد حسن نصر الله الذي يقف لله ويتكلم لوجه الله». كلام الفيشي أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس، فيما علّق الجبير عليه «باعتباره دعوة إيجابية». مصادر مقرّبة من «أنصار الله» قالت لـ«الأخبار» إن منشور الفيشي يعبّر «عن موقف شخصي»، وقد جاء «ارتجالياً» للرد على تصريحات رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية مسعود الجزائري أول من أمس، التي أكدت إمكانية إرسال مستشارين عسكريين إلى اليمن لمساعدة «أنصار الله». وأضافت المصادر أن القيادي «وجه كلامه إلى بعض المسؤولين في إيران لا إلى الجمهورية الإسلامية نفسها».
في هذا الوقت، انعكس التفاهم الحديث على الميدان اليمني خلال ساعات النهار يوم أمس، حيث توقفت العمليات الحدودية للمرة الأولى منذ أن فتح الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» جبهات نجران وجيزان وعسير بعد فترة قليلة من بدء العدوان. وفيما خفتت الغارات الجوية لطيران «التحالف» نهاراً على صنعاء، شهدت العاصمة اليمنية غارات جوية كثيفة مع ساعات الليل إلى جانب ست غارات استهدفت مدينة حرض الحدودية التابعة لمحافظة حجة، إلى جانب غارات متفرقة بين محافظات الجوف وتعز ومأرب.

(الأخبار، رويترز)