القاهرة | قبل نحو أسبوع، جرى تسريب مقاطع فيديو تحتوي على لقطات لبعض المشايخ الكبار مثل المفتي السابق علي جمعة، ووكيل وزارة الأوقاف السابق سالم عبد الجليل والداعية عمرو خالد، تُظهرهم في أحاديث موجّهة إلى ضباط الجيش، تجيز لهم قتل المتظاهرين بعد تصويرهم في صورة الخارجين على الدولة، وتصف المعارضين لما جرى في 3 تموز بأنهم من الخوارج. مشاهد جرى تصويرها بواسطة إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة، وتثير جملة من التساؤلات حول توقيت التسريب وسببه، فضلاً عن فكرة استخدام الدين من قبل السلطة الحالية في مواجهة خصومهم واستخدامه في تبرير العنف.
أبطال الأفلام المصورة دافعوا عن موقفهم عبر المنابر الإعلامية بسبل شتى؛ غير أنهم أجمعوا على أن هذه المقاطع مجتزأة، وكأن لسان حالهم يقول «إنها مقصودة»؛ عمرو خالد فسر حديثه المحرض على القتل بأنه كان فيديو موجهاً للجنود المقاتلين في سيناء، معتبراً أن ذلك «دعم للجنود وهو واجب وطني». الشيخ علي جمعة، حاول التخفيف من حدة أقواله بنفي أن يكون مقصده أن «الخوارج هم الإخوان»، من دون أن يوضح تناقض موقفه حينما اعتبر الخروج على حسني مبارك «حرام لأنه خروج على الحاكم»، رغم قدوم الأخير عبر التزوير، فيما جاء محمد مرسي عبر انتخابات ديموقراطية، وهو سؤال واجهه به بعض العلماء والشيوخ الذين علقوا على هذه الفتاوى كالدكتور محمد عمارة والدكتور سليم العوا والشيخ حسن الشافعي، حيث عدّ بعضهم من خرج عن الرئيس الشرعي المنتخب هو «الخوارج».
أما الشيخ سالم عبد الجليل، فكشف بتصريحات إعلامية متعددة على فضائية «الجزيرة مباشر مصر»، أن الفيديو الذي يعود له تم تسجيله في أواخر رمضان، مبيّناً أن كلامه اجتزئ، مدافعاً بالقول «سبق أن أفتيت بحرمة قتل المتظاهرين».
وأظهر عبد الجليل مراجعة كبيرة تستدعي الدهشة، إذ قال إنّ أبناءه كانوا في اعتصام «رابعة» و«النهضة»، وإنه بحسب علمه، فإن الاعتصامات كانت سلمية، مؤكداً أن المتظاهرين ليسوا بغاة ولا خوارج، واصفاً «الإخوان» بأنهم مدرسة وسطية معتدلة، وأنه واحد ممن تخرّج في هذه المدرسة، مفتياً أنه إذا أمر قائد جندياً بإطلاق النار على متظاهر سلمي، فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، لافتاً الى أن أسرته طلبت منه ترك دوره في الإرشاد والتوجيه بالشؤون المعنوية للقوات المسلحة بعد تسريب الفيديو.
هذا المشهد الجدلي لرجال الدين، علّق عليه الباحث في قضايا الفكر الإسلامي، محمد حسين، لـ«الأخبار»، بالقول إن هذا التوظيف للدين «ظاهرة طبيعية في مجتمع يأتي بالإسلاميين في كل الانتخابات التي جرت في الفترات الماضية؛ فالقائمون على أمور البلاد يعلمون أن التيارات الليبرالية والعلمانية في مصر ليس لها وجود جذري بالمعنى الفكري في المجتمع، وليس لها انتشار جماهيري. ومن جهة الواقع والتاريخ، الشارع لا يزال يتأثر بالخطاب الديني»، مشيراً الى أن «الدين فاعل في مصر منذ أيام الإسكندر الأكبر، ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، صاحب بيان 3 تموز، حريص على أن يظهر أنه ضدّ الإسلاميين، ولكن ليس ضدّ التديّن كظاهرة».
ورأى حسين أن هذه سابقة خطيرة وغير مسبوقة؛ فالدولة على مدار قرابة 80 عاماً تحشد الشرطة ضد المعارضين، وهو أمر مفهوم في ضوء أن الشرطة بالأساس مُعرّفة بكونها هيئة مدنية بالأساس، وإن كانت تمتلك القوة، وكان الجيش بمعزل عن هذا الأمر»، مضيفاً «لكن ما حدث الآن تكمن خطورته في أنه يمنح جماعات العنف فرصة لتبرير استخدام فتاوى القتل ضدّ الجنود، لأنه في حال اعتبار تصدي جندي الجيش للمعارض أو المتظاهر بالرصاص، فسيكون الردّ من جماعات العنف بالاعتداء عليهم مثل ما اعتدوا عليكم، وقد يقنع هذا أطرافاً سلمية بأفكار جماعات العنف هذه، وهكذا تتسع دائرة العنف».
وبيّن حسين أن فكرة فصل الدين عن السياسة أمر يستخدم للديماغوجية فقط في المجتمع، لأنه أمر لا يزال محصوراً بشكل أكبر في قطاع النخبة. غير أنّه فسر ما حدث بأنّه رغبة من الدولة في استمرار نموذج تأميم الدين وإعادة سيناريو الستينيات، الذي يكون الدين معبراً عنه بواسطة الدولة عبر احتكاره.
وهكذا، فإن ظاهر الأمر أن القضية في مصر وفق كثير من المراقبين ليست موضع الدين من السلطة، ولكن موقف الدين من السلطة، التي غالباً ما تسأل إن كان الدين في حالة تحالف أم تعارض، وما هي نوعية رجل الدين المطلوب للمهمة؟ وبحسب شواهد كثيرة منذ ما بعد ثورة «25 يناير»، فإن الإجابة عن هذا الأمر تكمن في رجل دين قريب من السلطة ومتماه معها، وهو ما لم تخل منه السياسة في العصر الحديث، ليكون الثابت أن توظيف خطاب الدين في السلطة لم يغب، لكن أي رجل دين غاب وأي رجل دين حضر؟
ومنذ ظهور حركة «الإخوان المسلمين»، تأسس الإسلام الحركي والشعبي، الذي اعتبر مشاكساً للسلطة، ليظهر نوع من التنافس على المجال الديني بينه وبين الدولة، وخاصة مع توسع هذا الإسلام الحركي ليكون التنافس على كل ما هو قريب من هذا المجال.
ويبدو أنّ استخدام كل الأطراف للفظ الخوراج، وفق كثير من المراقبين، كشف أن الأطراف المتصارعة لا تزال بعيدة عن فكرة الدولة الحديثة التي يعد الصراع السياسي فيها قائماً على الاجتهاد بالمصالح والمفاسد والصواب والخطأ، وليس على أساس الإيمان والكفر؛ «فالخوارج» هي معركة كلامية قديمة تنقل الصراع إلى عصور سابقة يختلف كثير من مفرداتها عن مفردات اليوم.
وحول أسباب التسريب وتوقيته، ذهب البعض الى اعتبارها رغبة في إقناع الجماهير العادية، بأن ما جرى كان متماشياً مع الدين، وأنه لم يكن بأوامر منفردة من القادة، فيما ذهب البعض الآخر الى اعتبار أن الهدف «تأجيج الكراهية ضد رموز دينية لحرق كل الأطراف الدينية»، فيما تبنى آخرون نظرية المؤامرة بأنها بالفعل رغبة في تأجيج الكراهية ضد هذه الرموز، لكن من أجل الاعتداء عليهم إما بواسطة متهور في التيار الإسلامي وإما بواسطة مؤسسات الأمن والبلطجية، على أن يتم إلصاقها بالإسلاميين.