القاهرة ــ الأخبار وكأنّ زيارة السيناتور جون ماكين وزميله ليندسي غراهام كانت فأل نحس على المصريين؛ فبعد أيام من الجهود الدولية المضنية لمنع الحكم الانتقالي من استخدام الحل الأمني ضدّ جماعة «الإخوان المسلمين»، عبر فض اعتصاماتهم بالقوة وتصعيد حملة الاعتقالات ضد قياداتهم، ودفع الأطراف نحو الحوار والمصالحة، وظهور بوادر إيجابية على الأرض بتراجع حدة العنف ونبرة التجييش، أعلنت الرئاسة المصرية فشل الوساطات الدولية، ولحقت بها الحكومة لتجدد دعوتها معتصمي «الإخوان» إلى مغادرة الميادين على الفور، ما ينذر بعيد قد لا يكون سعيداً على أهل مصر. وما كادت تعلن الرئاسة فشل الوساطات، حتى كان مساعد وزير الخارجية الأميركي، مايكل بيرنز، يستقل طائرته العسكرية مغادراً القاهرة، فيما سارع الاتحاد الأوروبي ليؤكد استمرار جهود وساطته، وتدخل الأزهر ليدعو الى طاولة حوار بعد العيد.
وقالت الرئاسة المصرية، في بيان، إن «مرحلة الجهود الدبلوماسية التي بدأت منذ أكثر من عشرة أيام بموافقة وتنسيق كاملين مع الحكومة المصرية انتهت»، وإن «الدولة سمحت بها إيماناً منها بضرورة إعطاء المساحة الواجبة لاستنفاد الجهود الضرورية التي من شأنها حث جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها على نبذ العنف وحقن الدماء والرجوع عن إرباك حركة المجتمع المصري ورهن مستقبله، وكذلك الالتحاق بأبناء الوطن في طريقهم نحو المستقبل». وأوضحت أن تلك الجهود لم تحقق النجاح المأمول، مضيفة أن مصر سترحب دوماً بجهود هذه الأطراف وستُقدّر مواقفها لدعم خارطة المستقبل وتعزيز الانتقال الديموقراطي.
وأضافت الرئاسة أنها «إذ تشكر جهود تلك الدول الشقيقة والصديقة وتتفهم أسباب عدم نجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة، فإنها تُحمّل جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية كاملة عن إخفاق تلك الجهود وما قد يترتب على هذا الإخفاق من أحداث وتطورات لاحقة في ما يتعلق بخرق القانون وتعريض السلم المجتمعي للخطر». كذلك وصفت تجمعي رابعة والنهضة بغير السلميين.
وبعد وقت قصير، أعلن رئيس الحكومة المؤقتة حازم الببلاوي أن «قرار فض الاعتصام نهائي توافق عليه الجميع، ولا رجعة عنه، ومراعاة حرمة شهر رمضان والعشر الأواخر هي ما حالت دون تنفيذ القرار، إضافة إلى إعطاء فرصة لكل الأطراف لمراجعة أنفسهم، والوصول إلى حل سلمي للخروج من الأزمة». وأكد أن «مجلس الوزراء لاحظ أن المعتصمين تجاوزوا كل حدود السلمية بقطع الطرق والمرور، واستخدام السلاح واستغلال الأطفال، وكلها أفعال يجرمها القانون، وقارب صبر الحكومة على النفاد». وطالب المعتصمين بالانصراف سريعاً من أماكنهم، متعهداً بأنه «لن تتم ملاحقة من لم تتلوث يداه بالدماء، وسيتم توفير المواصلات اللازمة لهم».
الموقف الرسمي هذا كان قد بدأ بالتكشف أول من أمس مع بداية لقاءات ماكين وغراهام بالمسؤولين، حيث أعربت الادارة الانتقالية وقيادة الجيش المصري عن غضبهما من اللقاءات وفحواها.
وقال المستشار الإعلامي للرئيس أحمد المسلماني، إن الرئاسة تستنكر تصريحات ماكين، التي وصف فيها ضمنياً ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري. وقال إن «ماكين يزيف الحقائق وتصريحاته خرقاء ومرفوضة جملة وتفصيلاً، ونعتبرها تدخلاً غير مقبول في شؤون مصر»، فيما كشف مصدر مسؤول أن «الجانب المصري يدرس حالياً هذه التصريحات وسيقوم بالرد المناسب عليها»، وأن «الملايين التي خرجت إلى الشوارع لا تنتظر اعتراف (ماكين) بالثورة المصرية».
وفي الواقع، فإن ماكين لم يصف ما حصل بأنه انقلاب بصورة مباشرة، غير أنه قال «لم آت إلى هنا لفتح القواميس والمراجع السياسية. ولا يمكن تعريف البطة سوى بأنها بطة.. وإزاحة الرؤساء تعتبر انقلاباً وندعو كل الدول إلى الالتزام بالقوانين، لكننا لم نأت للنظر في الماضي». ودعا إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين في مصر. وفي مقابلة لاحقة مع «سي بي أس. نيوز»، قال ماكين «يا للعجب، لم أكن أعرف أن الوضع بهذا السوء، هؤلاء الناس لم يبق أمامهم سوى أيام أو أسابيع لينزلقوا في حمام دم شامل». أضاف: «هناك سبيل واحد لإحلال السلام في مصر، وهو عملية التفاوض والمصالحة بين الأطراف الفاعلة الرئيسية». وعن وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، قال «تكوّن لدي انطباع عن الفريق السيسي بأنه رجل قوي جداً وأنه يحاول أن يفعل ما يرى أنه الأفضل للشعب المصري».
إعلان الفشل دفع الاتحاد الأوروبي الى إعلان استمرار جهوده الدبلوماسية لتسوية الأزمة السياسية.
وقال المتحدث مايكل مان إن مبعوث الاتحاد برناردينو ليون موجود في مصر منذ أيام ويشارك في جهود الوساطة. وأضاف «سنستمر في بذل قصارى جهدنا في محاولة تشجيع الناس على المضي قدماً في الحوار الذي يشمل الجميع، فمن المهم للغاية أن نرى عودة للمرحلة الانتقالية الديموقراطية في مصر، وسنواصل جهودنا».
كذلك، أعلن مصدر في الأزهر أن الأزهر سيدعو أصحاب المبادرات التي قدمت لحل الأزمه الآنية الى لقاء مهم بعد العيد مباشرة في حضور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر. وأضاف أن هناك بعض المبادرات يمكن أن يبنى عليها لبدء المصالحة الوطنية.
وفي سياق الجهود الخليجية، دعا وزير الخارجية القطري خالد العطية الى الإفراج عن قادة جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين، مؤكداً في الوقت نفسه استمرار المساعدات القطرية لمصر. وقال لقناة «الجزيرة» إن «المساعدات القطرية لمصر مستمرة، لأنها للشعب المصري وليست للنظام»، نافياً تحيّز بلاده لجماعة «الإخوان» المسلمين بقوله إن «قطر منذ ثورة 25 يناير وهي تدعم الثورات». وطالب «الأشقاء في مصر بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، لأنهم مفاتيح الحل»، داعياً إلى إجراء حوار جاد بين أطراف الأزمة «وعلى رأسهم المعتقلون السياسيون، لأنه بدون ذلك سيكون الموقف صعباً».
في المقابل، قال المتحدث باسم جماعة «الإخوان»، أحمد عارف، إن «الانقلابيين الدمويين يستخدمون كل الوسائل غير المشروعة وغير الأخلاقية في معركتهم لقهر الشعب». ورأى أن «هذا أسلوب ساقط بقصد تشويه صورة المتمسكين بالشرعية، خصوصاً التحالف الوطني لدعم الشرعية، وعلى الأخص الإخوان المسلمين منهم».
إلى ذلك، نفت رئاسة الجمهورية دعوتها الجماهير للتظاهر يوم الجمعة لحماية شرعية الثورة. وأكدت أن الخبر عار من الصحة.