برلين | تناول العديد من وسائل الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خطوة واشنطن بإقفال عدد من سفاراتها في الشرق الأوسط وأفريقيا نقاشاً وتحليلاً، مشككين في صحة الادعاءات الأميركية وصحة التهديدات الإرهابية المزعومة.
واستندت المصادر المشككة إلى تصريحات مسؤولين أميركيين حول طبيعة المعلومات المتعلقة بهذه «التهديدات» وكيفية الحصول عليها ومسارعة السياسيين الأميركيين من الحزبين إلى الثناء على عمل وكالة الأمن القومي الأميركية NSA وجهودها في كشف المخططات الإرهابية. السيناتور الجمهوري ساكسبي شامبليس العضو في لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي وصف الوكالة الاستخباراتية بـ«أذن أميركا الراصدة للأعداء». وأكد زميله في الحزب السيناتور ليندسي غراهام أنه تحدث مع نائب الرئيس وتأكد من أن الوضع «مخيف للغاية في ظل صعود نجم تنظيم القاعدة في تلك المنطقة»، مشيراً أيضاً إلى أن وكالة الأمن القومي قد «أثبتت مراراً جدواها وخاصة الآن».
وتشير المعلومات الرسمية إلى أن هذه التهديدات تم التقاطها «عبر التنصّت على مكالمات هاتفية والتجسس على رسائل الكترونية متبادلة بين مسؤولين في تنظيم القاعدة»، رجحت مصادر إعلامية أن يكون أحدهم زعيم التنظيم أيمن الظواهري. ومن دون الإعلان عن كيفية التقاط هذه التهديدات او الجهة التي التقطتها رسمياً، تعمّد السياسيون الأميركيون الربط بين التهديدات وفعالية وكالة الأمن القومي، التي أثارت فضائح استخدامها لبرامج تنصت سريّة على الأميركيين والدول موجة من الانتقادات الدولية والاستياء المحلّي. ولذا، يزداد حجم التساؤلات لدى العديد من المحللين حول توقيت الكشف عن تهديدات محتملة، إذ يتصادف ذلك مع الجدل الكبير المثار حول عمل الوكالة بعد أن كشف بعض أسرارها الموظف السابق لديها إدوارد سنودن. ولذا يرى المدير السابق لـ«معهد الشرق في ألمانيا» أودو شتاينباخ «أن ما يحدث الآن في هذا التوقيت بالذات، يعزز الشكوك حول اختراع تهديد إرهابي لتبرير برامج التنصت وعمليات التجسس التي قامت بها وكالة الأمن القومي الأميركية والتي لاقت انتقادات دولية».
وتضيف تصريحات عميل الاستخبارات الأميركية السابق روبرت باير، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، لقناة «سي أن أن» التلفزيونية، بأن ما تقوم به السلطات الأميركية كردّ فعل على التهديدات المحتملة، «أمر غير مسبوق وغير عادي ومبالغ فيه»، المزيد من الشكوك حول جدية التهديدات.
من جهته، كشف السيناتور الديموقراطي أدم شيف، عضو لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي، عن وجود «مخاوف محقة لدى الإدارة الأميركية نظراً إلى اقتراب نهاية شهر رمضان»، مذكّراً بالهجمات التي تعرضت لها بعض السفارات الأميركية في المنطقة في هذه الفترة من العام الماضي، بالإضافة إلى عمليات الفرار الجماعية لسجناء من تنظيم «القاعدة» في العراق وليبيا وباكستان، التي تم تنفيذها بشكل متقن. ولكن شيف أكد أن «هذه المخاوف وحدها من دون معلومات محددة لا تبرر إجراءات إقفال السفارات».
وفي سياق متصل وفي مصادفة أخرى من حيث التوقيت، حصلت وكالة «رويترز» للأنباء قبل أيام على «معلومات سرية حول المساعدة الكبيرة التي تقدمها وكالة الأمن القومي لهيئة مكافحة المخدرات عبر رصد محادثات هاتفية أو الكترونية أدت لإلقاء القبض على العديد من مهربي وتجار المخدرات». وأشارت معلومات «رويترز» إلى أن الجهود التي بذلتها وتبذلها الـ NSA في هذا المجال «بقيت حتى الآن طيّ الكتمان ولا يعلم بها سوى قلة من المدّعين العامين».
فهل نحن أمام حملة منظمة لتلميع صورة وكالة الأمن القومي وتشريع نشاطاتها ومباركتها، أم أن السياسيين الأميركيين سارعوا لالتقاط الفرصة والإفادة من التهديدات الإرهابية للتخفيف من الانتقادات الكثيرة التي تعرض لها النشاط الإستخباري الأميركي؟
الجواب على هذه الأسئلة قد يكمن في الإجابة على سؤال آخر، وهو ألم يسمع قادة تنظيم «القاعدة» اتهامات الجنرال مارتين ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة لادوارد سنودن بـ«فضح قدرات الاستخبارات الأميركية على التنصت والاستطلاع مما سيجعل أعداء اميركا يغيرون من طرق التواصل في ما بينهم»؟