تونس | كان موقف رئيس المجلس الوطني التأسيسي في تونس مصطفى بن جعفر، أول من أمس مفاجئاً للجميع في السلطة والمعارضة، لا سيما بعد استئناف المجلس لأعماله في اعقاب توقف جاء بعد اغتيال النائب محمد البراهمي. وفي كلمة إلى الشعب التونسي بثتها القناة الأولى للتلفزيون الرسمي، قال بن جعفر، إنه يتحمل مسؤوليته كاملة في تعليق أشغال المجلس، مؤكداً أن الظرف الخطير الذي تمر به البلاد حتّم هذه الخطوة.
وإذ أشار إلى أن الخطأ من المعارضة والسلطة على حد السواء، طالب بالعودة حالاً إلى مائدة الحوار تحت مظلة الاتحاد العام التونسي للشغل الراعي للحوار الوطني، داعياً الاتحاد لأن يكون محايداً.
واعتبر بن جعفر أن أشغال المجلس ستتوقف إلى حين استئناف الحوار الوطني. في المقابل، دعت حركة النهضة في بيان أصدرته بعد اجتماع لمكتبها السياسي رداً على تعليق أعمال المجلس التأسيسي، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع كل الأطراف السياسية المؤمنة بالمسار الانتقالي والملتزمة بالقانون المُنظّم للسلطات العمومية.
وطالبت بتشكيل هيئة تساند الحكومة وتجمع الجمعيات والمنظمات الوطنية والأحزاب تكون سنداً للحكومة التي حددت أولوياتها بمواجهة الارهاب وتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي.
ودعت «النهضة» إلى استئناف أعمال المجلس، بينما اعتبر القيادي في الحركة وزير الصحة عبداللطيف المكي، أن «هذه الخطوة تثير جدلاً قانونياً فليس من حق بن جعفر أن يتخذ مثل هذا القرار بشكل فردي ومن دون استشارة أحد».
وقال ان هذه المبادرة تشبه مبادرة رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، الذي دعا إلى حل الحكومة من دون استشارة الحركة. واتهم المكي الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس بالوقوف وراء ما يجري في تونس، معتبراً أن «هناك محاولة انقلابية مُنظّمة وفيها أكثر من فصل، ومبادرة بن جعفر تندرج في هذا السياق المقصود منه عزل النهضة من خلال حل الحكومة».
واعتبرت نائبة رئيس المجلس التأسيسي محرزية العبيدي، أن بن جعفر كان عليه أن يستشير النواب ومكتب المجلس قبل اتخاذ قرار كهذا. وعلى عكس حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي اتهم بن جعفر بالتسرع و«الطعن في الظهر»، رحبت المعارضة بقرار رئيس المجلس، واعتبرت انه القرار المناسب.
والتقت أحزاب المعارضة الرئيسية التي تشكل الجبهة الشعبية والاتحاد من اجل تونس، على تثمين قرار بن جعفر باعتباره قراراً يشجّع على إيجاد أرضية للحوار والتوافق.
كما ساند الاتحاد العام التونسي للشغل قرار بن جعفر تعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي، واعتبر الأمين العام للاتحاد حسين العباسي، انه قرار صائب من شأنه ان يخفف من حدة الاحتقان ويدفع نحو الحوار حول القضايا الخلافية.
في غضون ذلك، نجحت جبهة الإنقاذ الوطني في حشد أنصارها في ساحة باردو في سهرة رمضانية غير مسبوقة وافقت ذكرى مرور ستة شهور على اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد.
وقدرت مصادر من وزارة الداخلية عدد المشاركين في اعتصام الرحيل، يوم ٦ آب بـ٢٥٠ ألفاً، وهو عدد يوازي مرة ونصف تقريباً عدد الذين شاركوا في اعتصام «الشرعية» الذي نظمته حركة النهضة نهاية الأسبوع الماضي، رغم الفارق الكبير في الإمكانات.
نجاح المعارضة في حشد أنصارها أكد الفارق الكبير في الشارع بين حركة النهضة وباقي القوى المدنية والديموقراطية التي توحدت ضدها «لإنقاذ الدولة المدنية.. من خطر المشروع الاستبدادي الذي تعد له النهضة تحت شعار الدين»، حسبما يقول المعارضون. وأعلنت تنسيقية اعتصام الرحيل أن الاعتصام سيتواصل في عطلة العيد وستكون صلاة العيد في ساحة باردو، بحضور أئمة جامع الزيتونة الذي يمثل المرجعية الدينية المالكية الرسمية ضد الإسلام الوهابي الذي تسانده حركة النهضة والجمعيات القريبة منها والتابعة لها.
أمام تعدد المبادرات تضيق مجالات المناورة على حركة النهضة، إذ أن كل المبادرات تجمع على حل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات أو إنقاذ أو وحدة وطنية من دون ان تحتفظ «النهضة» برئاستها أو تشكيلها، وهي ما يعني عملياً خروج الحركة من الحكم.
أما المجلس التأسيسي فإن المبادرات مُقسّمة بين حلّه وتحديد مهامه ومدته الزمنية إلى حدود ٢٤ تشرين الأول المقبل في أقصى الحالات. ويتهم عدد من المعارضين «النهضة» بالوقوف وراء تهريب السلاح والمجموعات المسلحة استعداداً للحظة خروجها من الحكم.
وفي السياق، كشف قيادي من حركة فتح الفلسطينية في حوار نشرته جريدة «الصحافة» اليومية، أن عدداً من كوادر حركة حماس تولوا تدريب عدد من أتباع حزب سياسي تونسي.