تونس | رغم حالة انسداد الأفق السياسي أمام حركة النهضة في تونس وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي تراجع عن مطالبته بحكومة وحدة وطنية ليطالب بتوسيع الحكومة الحالية، لم يعدم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إمكانيات المناورة وربح الوقت لامتصاص الغضب الشعبي. فقد قدم الغنوشي أمس مبادرة جديدة للخروج من الأزمة، وذلك بتنظيم استفتاء شعبي لتحديد مستقبل الانتقال الديموقراطي، وخصوصاً حول مطلب حل الحكومة وحل المجلس التأسيسي.
في المقابل، أدت «المليونية» الشعبية التي دعت اليها حركة النهضة يوم الجمعة الماضي إلى ارتفاع عدد مناصري اعتصام «الرحيل» المطالب بحل الحكومة والمجلس التأسيسي، ما اضطر «النهضة» إلى تعليق اعتصام «الشرعية»، وذلك للفرق الشاسع بين عدد مناصريها ومعارضيها، الأمر الذي سوف يعطي انطباعاً عن تقلص شعبيتها في الشارع التونسي.
وجاءت مبادرة الغنوشي لإحراج المعارضة ولربح الوقت أيضاً. فهو يدرك أكثر من غيره أن حل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط يعنيان عملياً خروج «النهضة» من السلطة، إذ إن كل التعيينات الإدارية وكل المرفق العمومي يمر من خلال رئاسة الحكومة، وبالتالي لن يكون لها أي دور في تسيير الانتخابات المقبلة التي تعوّل على ربحها مهما كان الثمن.
فمطلب حل الحكومة لم يعد مطلب اليسار ممثلاً في الجبهة الشعبية فقط، بل أصبح مطلباً عاماً التقت حوله كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها حزب التكتل من أجل العمل والحريات الشريك في الحكم.
لهذا تشعر «النهضة» الآن بعزلة سياسية كبيرة. فالاتحاد العام التونسي للشغل، الذي مثل في تاريخ تونس دائماً الرقم الصعب الذي يسقط كل المعادلات السياسية، مصرّ على حل الحكومة وتقييد عمل المجلس التأسيسي، وتسانده كل القوى السياسية الرئيسية.
فالمعارضة رفضت اقتراح الغنوشي لسببين، مبدئي وإجرائي، إذ أوضح القيادي في الجبهة الشعبية النائب المنسحب من المجلس التأسيسي، المنجي الرحوي، أن اقتراح الغنوشي مرفوض مبدئياً.
فالسلطة الحالية فاقدة للشرعية منذ ٢٣ تشرين الأول، إذ إن المجلس التأسيسي والسلطة المؤقتة المترتبة عليه عمرها عام، وهو ما تلتزم به «النهضة» وحليفاها، يضاف إلى ذلك فشلها في حماية حياة التونسيين والنشطاء السياسيين خاصة وتورطها في انتشار العنف والسلاح.
أما السبب الثاني لرفض هذه المبادرة فهو إجرائي، فتنظيم استفتاء يحتاج إلى الكثير من الوقت والترتيبات الإدارية في غياب هيئة مستقلة للانتخابات يمكن أن تنظم هذا الاستفتاء وتمنحه صدقية، إذ إن الحكومة فاقدة للشرعية والمشروعية.
هكذا يقول معارضوها الذين دعوا الى تجمع احتجاجي أمس في ساحة باردو أمام البرلمان (المجلس التأسيسي) للمطالبة باسقاط الحكومة وحل المجلس.
من جهته، رأى المتحدث الرسمي باسم حركة نداء تونس، الأزهر العكرمي، أنه لا يوجد أي حل قبل حل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات.
الواضح أن مبادرة الغنوشي ولدت ميتة، خاصة مع تصاعد الغضب في الشارع واتساع رقعة الاحتجاجات التي تأمل حركة النهضة والحكومة ان تهدآ بمناسبة العيد الذي سيتمتع فيه أعوان الدولة والهيئات الرسمية بعطلة ثلاثة أيام.
ولكن الجمعيات الشبابية التي تقف وراء اعتصام الرحيل أعلنت أنها ستقضي العيد في ساحة باردو وان الاعتصام سيتواصل بنسق أكبر بعد العيد والى غاية حل الحكومة. وبناء على هذه المعطيات يبدو ان توقف الحراك الاحتجاجي قبل سقوط الحكومة أمر مستبعد، وهو ما يزيد من إمكانية اتساع الانقسام في الشارع التونسي ويفتح ربما الباب لسيناريو شبيه بالسيناريو المصري كما قال زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، في حواره مع جريدة «لوموند» الفرنسية.