غزّة | في غزّة، يمكن الأمنَ الداخلي في الحكومة المقالة أن يستدعي أي مواطن من دون ذكر سبب الاستدعاء، وإن لم يحضر بالموعد المحدّد، يباغته رجال الأمن في ساعات متأخرة من الليل ويقتحمون المكان، ويضعون العصابة حول عينيه لأخذه الى مكان غير معلوم... فاحذر من هذا العفريت. «ر. ع.» مواطن غزّي اقتاده عناصر الأمن الداخلي من منزله. عُصبت عيناه كي لا يعرف المكان الذي نُقل إليه. وحين وصل، رُفعت العصابة عن عينيه ليجد نفسه في غرفة ضيقة جداً لا تحتوي إلا على ضوء واحد، وأمامه محققان. بعدها، انهالت عليه الأسئلة التي تركزت حول عدد التقارير التي أرسلها إلى حكومة رام الله لقطع رواتب الموظفين التابعين لها، و«ما هي آلية التواصل بينكم؟»، و«ماذا أعطوك في المقابل؟». التزم «ر. ع.» الصمت دقيقتين لاستيعاب الأمر والصدمة من الأسئلة، غير أن الأيدي باغتته من كل حدب وصوب، ولُكم على وجهه، فيما استُخدمت العصا للضرب المبرّح على جسده. استمر التحقيق معه لمدة 15 يوماً وهو في زنزانة ضيقة لا تصلح للعيش، وهو يصرّ على أقواله ويؤكد لهم أن لا علاقة له بما نُسب إليه. وبعد مصادرة أجهزته من بيته وتفحص المعلومات من قبل الأمن الداخلي، أُفرج عنه بعد توقيعه على ورقة بعدم التدخل في أي أمر من شأنه زعزعة الأمن في غزة. يعتبر «ر. ع.»، في حديثه لـ«الأخبار» أن ما فعله به الأمن الداخلي هو نتيجة الحقد على موظفين في الأجهزة الأمنية لدى السلطة القديمة، ممن رفض التعامل مع حكومة غزة.
لم يكن يعلم الصحافي يوسف حماد أن تحقيقاً أجراه حول زواج عرفي اكتشفه في غزة، سيجعله قيد الملاحقة الأمنية. يقول لـ«الأخبار» إنه في كانون الثاني الماضي أُرسل له بلاغ أمني للحضور إلى مركز معسكر جباليا في غزة، حيث مقر الأمن الداخلي. وحين وصل كان قسم التحقيق في انتظاره. جلس أمام جدار أبيض ومُنع من الالتفات يميناً أو يساراً. بعدها جاءه الضابط وأخذ يسأله: هل سافرت؟ وهل تمتلك جواز سفر؟ أو تلقيت مبلغاً مالياً من الخارج؟ ماذا تعمل، وأين، وما هي طبيعية عملك؟ حصل الضابط عما يريد من معلومات، ثم غادر.
بعدها، جاءه شخص آخر وسأله عن تقريره الخاص بحالات الزواج العرفي بغزة، قائلاً له إنه غير دقيق، وإن غزة بلد الإسلام لا يوجد فيها مثل هذه الأمور. ثم هدّده بطريقة غير مباشرة، قائلاً له إن أي أمر مماثل سوف يسبب له مشكلة كبيرة، مضيفاً «لولا تدخل أحد أقربائي المسؤولين لأصبحت مجرماً».
الشاب «ض. و.»، كانت له حكاية مختلفة. هو ملتزم دينياً ولا ينتمي الى أي حزب سياسي، أو أي جماعة إسلامية متطرفة. مع ذلك، اعتقله جهاز الأمن الداخلي بتهمة التقرب من الجماعات السلفية والعمل على زعزعة الاستقرار في غزة، وجرى توجيه تهم له بالتورط في تفجيرات سيارات رباعية الدفع تابعة لحركة «حماس». يؤكد لـ«الأخبار» أنه قال لهم إنه لا علاقة له بأي من هذه الاتهامات لا من قريب ولا بعيد، غير أنهم لم يصغوا إليه وباشروا في تعذيبه مع مجموعة من المتهمين بالتهمة نفسها لعدة أيام. وعندما حاولت عائلته السؤال عنه والاطمئنان عليه عن طريق مؤسسات حقوق الإنسان، رفض الأمن الداخلي طلبهم بدعوى أنه متهم خطير. مضى على هذه الحال 22يوماً، الى أن أُفرج عنه بعدما على وقّع ورقة تفيد بأن عليه القدوم على وجه السرعة إن جرى استدعاؤه من جديد، وأن يبتعد عن أي شخص ينتمي إلى جماعات السلفيين.
يقول «ض. و.» إنه كان يقبل على صلواته في مسجد لا يتبع لحركة «حماس». وتعتقد الحكومة المقالة أن الجماعات السلفية تجتمع في هذا المسجد وتخطط لقلب نظام حركة «حماس» وزعزعته.
بدوره، ينفي المتحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة المقالة، إسلام شهوان، لـ«الأخبار»، كل هذه الروايات عن المخالفات التي يقوم بها جهاز الأمن الداخلي في غزة. ويؤكّد أن جميع الإجراءات تتم وفقاً للقانون، وأن ما ورد من حديث حول ضرب وتوبيخ غير دقيق «ولم نتلقّ أي شكوى من أي مواطن على أداء الأمن الداخلي معه»، مشيراً الى وجود أجهزة رقابية في وزارة الداخلية تعمل على رقابة مثل هذه الأمور «وهناك تشديد منها أكثر من السابق على أحوال المعتقلين». غير أنه قال إنه تحصل في بعض الأحيان استدعاءات سرية اضطرارية لأهمية الأمر، كما يتم الأخذ بالإجراءات بسرية لبعض المواطنين من أجل الحفاظ على خصوصية هؤلاء.
لكن المحامي من مركز الميزان لحقوق الإنسان رامي شقورة، اختلف مع شهوان، وأكّد لـ«الأخبار» أن غالبية الشكاوى التي تُقدم الى المركز تتعلق بإقدام رجال الأمن الداخلي على تفتيش منازل ومصادرة أجهزة من داخله من دون أي إذن رسمي، كما يتم اعتقال أشخاص من دون منح أقربائه أو حتى المحامي فرصة لزيارته. ويعتبر أن هذا الأمر مخالف تماماً للقانون الذي يضمن لكل متّهم على ذمة أي قضية أن يزوره المحامي وأهله.
ويشير شقورة الى أن دور مركز الميزان لحقوق الإنسان يقتصر على التوجه الى الأمن الداخلي للبحث في قضية المعتقل «التي نجد فيها مماطلة شديدة، ونطلب منحنا حق زيارته، غير أن قيادة الجهاز تمنعنا في بعض الحالات».