دمشق | حاولت إدارة مرور دمشق أن تجد حلاً جذرياً لمشكلة تسعير أجور النقل والمواصلات العامة لسيارات «الميكرو باص» و«التكاسي»، فأصدرت مجموعة ملصقات لحسم موضوع أسعار التنقّل في وسائل النقل. فكانت «التكاسي» الصفراء على واجهة الإضربات التي عمّت شوارع العاصمة رفضاً لنظام الأسعار، إذ فرض على السائقين مخالفة عدم شراء ملصق، كتب عليه «الدفع ضعف ما يظهر على العداد»، مبلغ ألف ليرة سورية، فيما إذا اشتكى الراكب لأيّ شرطي مرور من عدم تشغيل السائق للعداد يغرّم بالسجن وحجز السيارة ودفع مبلع خمسة وعشرين ألف ليرة، أمّا في ما يخص «الميكرو باصات» التي تعمل على خطوط دمشق، فالبعض التزم والبعض الآخر يضع تسعيرة كبيرة مقارنة بما ألزمته بها إدارة المرور.
ولكن كل هذا الكلام، حتّى اليوم، يحتمل الكثير من اللبس، إذ إنّ شرطياً للمرور يدعى أبو حسن (اسم مستعار) قال لـ«الأخبار»: «إنّ منطق قانون التسعيرات بالنسبة للتكاسي لا ينصف أحداً، لأن المسافات القصيرة قد تمضي بساعة أو أكثر بسبب الحواجز، علماً أن بعض المواطنين يتوسطون لسائق التكسي كي لا أحرّر مخالفة بحقه، وهذا حدث معي شخصياً».
أغلب سائقي السيارات العمومية في دمشق اشتروا الملصق بـمئتي ليرة، وأهملوا اصلاح العدّاد أو حتى تشغيله، مبررين ذلك «بأنّ قِطع تبديل السيارة إذا تعطلت ووجب تبديلها فستفوق أسعارها أربعة أضعاف مما كانت عليه منذ أشهر». «شلون ممكن يوازي هالقرار حجم يلي عم ندفعوا صيانة للسيارة، مثلاً طقم الدواليب كان بـ8000 ليرة من سنة، أمّا هلق فبـ40 ألف ليرة، وبتقلي شغّل عداد..!؟»، يروي إيهاب مهايني عن معاناته مع القرار الجديد، غير عابئ باللاصقة أو بالمخالفة.
من جهة أخرى، هناك بعض السائقين الذين يعانون من غلاء الوقود، ونهب بعض محطات الوقود لهم، «عشرين ليتر بينزين بيوصل منهن 18 ليتر اليوم، مع أنو كانت التنكة بـ 800 ليرة، وصارت 1500. مين عنده امكانية يركب تكاسي، الناس يا دوبها عم تلحق أكلها قبل ما تعتم العين»، يضيف مهايني.
يبحث السوري اليوم عن «الميكروباص» الذي تتحوّل رحلته إلى «سيران» طويل مع تكاثر الحواجز وإغلاق بعض الساحات والمفارق «لضرورات أمنية». لكن حتى تلك، أي الميكروباصات، يتعامل أصحابها كأنهم جنرالات مع الركاب والقانون، منهم من شطب رقم المبلغ المحدّد في التعرفة، ليضع ما يتناسب مع جهده الذي «لم تقدّره الحكومة ولا إدارة المرور. وكل حدا ما عجبه يروح يشتكي»، يصرخ أنس الحلبي، أحد سائقي خط «مهاجرين ـــ باب توما»، بينما يشير زميله علاء سلامنة، العامل على خط «زاهرة قديمة ـــ كراجات» إلى أنّ «التسعيرة مناسبة إلى حدّ ما إذا كان مشوار الراكب لا يتجاوز الموقف أو الموقفين، لأن البعض يركب من أول الخط إلى آخره بنفس التسعيرة الزهيدة، مقارنة مع الوقت، وتكاليف المخالفات والأعطال».
الناس في الشوارع تفضّل المشي أحياناً كثيرة، لكن هؤلاء الذين يقطنون في الضواحي، لا يجدون سوى سيارات الأجرة سبيلاً لتنقلاتهم، فيفرض عليهم سائق أحد باصات، التلّ مثلاً، في ريف العاصمة، تسعيرة مئة ليرة في حين ألصقت له الحكومة تعرفة أربعين ليرة على الراكب. «المهم تثبت هالتّسعيرات، كل يوم بيطلعوا بتجربة شكل، والناس فايتة ببعضها من دون شي. ما رح تفرق خمس ليرات أو عشر ليرات، بس أنوّ تصير خمس أضعاف مصيبة»، يقول سليم صالح (موظف)، ويؤكد أنّ بعض حواجز الجيش والأمن توّلت مهمة ضبط الأسعار في تل منين وسواها من المناطق البعيدة عن عيون شرطة المرور، حيث هُدّد السائقون ما لم يلتزموا بالسعر النظامي «سوف يحجزون ويكسرون الميكرو لكل واحد يضر الناس..!»، يضيف سليم.
تخبّط وإضرابات في بعض خطوط سيارات الأجرة خصوصاً البعيدة منها مثل رنكوس وصيدنايا، بسبب عدم منطقية الأسعار التي خصصت كأجرة لنقلهم للركاب. والمعاناة هنا لا تقتصر على السائق وحسب، بل على أجهزة المرور المشغولة بضبط ذلك أثناء اشتعال متصاعد للبلاد بأزمات وفوضى على مستوى واسع، خصوصاً في الضواحي البعيدة عن مركز المدينة والأرياف. وفي السياق ذاته أشارت إدارة مرور دمشق، ضمن تصريح سابق لرئيسها العميد حسين جمعة بعد أيام من صدور التعرفة الجديدة، إلى أنّه «خلال 4 أيام تم توقيف نحو 30 سائقاً، وتمّ تنظيم أكثر من 500 ضبط مروري، وذلك بسبب عدم تشغيل العدادات أو تقاضي مبلغ أكبر في التكاسي العامة... أو تقاضي تعرفة أكبر أو اخفاء التعرفة في السرفيسات والباصات العامة». حلول تبدو طويلة الأمد وغير مجدية، في ظل نشوب ما يشبه «ربيع الفوضى» وسط انفجار بركاني للأسعار مزين بأطواق من قذائف الهاون التي لا تكل ولا تمل عن استهداف المدنيين.
إلى جانب الزحام الخانق تقف العاصمة مرحّبة بانهيارات الدولار، فيما أجرة «السرفيس» أو «التكسي» تجعل الناس يحسبون ألف حساب قبل دفعها للسائقين، الذين بدورهم جعلوا الناس تقف للحظة وتسأل: الحق على مين يا عالم؟