تونس لا يزال المشهد التونسي يزداد غموضاً في ظل احتدام الأزمة السياسية والهشاشة الأمنية وانتشار السلاح وتمركز المجموعات الإرهابية، في وقت تداولت فيه وسائل إعلام قريبة من حركة النهضة وصفحات الفايسبوك اتهامات للجزائر في الضلوع في أحداث جبل الشعانبي، وفي الاغتيالات التي عرفتها تونس. اتهام ورد على ألسنة محللين وسياسيين مقيمين خارج الجزائر اتهموا الاستخبارات العسكرية الجزائرية في الضلوع بالأزمة التونسية. وفي رد على هذه الحملة أصدرت وزارة الخارجية التونسية بياناً باسم ناطقها الرسمي عمار بلياني، أدانت فيه هذه الاتهامات. وأكدت أنها غير معنية بأي تجاذبات بين الأطراف السياسية في تونس. وقد اضطرت حركة النهضة إلى إصدار بيان كان بمثابة الاعتذار عما ذهبت اليه وسائل إعلام تابعة لها، فيما باتت تلوح أزمة دبلوماسية في الأفق تتزامن مع تواصل التجاذب السياسي حول البحث عن مخرج من الأزمة السياسية والأمنية التي تغرق فيها البلاد. وتواصلت المشاورات أمس بين الأحزاب والنقابات والجمعيات من أجل الوصول إلى صيغة وفاقية بين مختلف المبادرات الداعية إلى حل الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي وتنظيم الانتخابات وكتابة الدستور. وهي المواضيع الأساسية للخلاف السياسي في تونس اليوم.

وقال زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، إثر لقائه رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي، إن الحركة مؤمنة بالحوار وتعمل من أجله، لكنها متمسكة برئاسة الحكومة وباستمرار المجلس الوطني التأسيسي.
وبهذا الموقف يكون زعيم الحزب المهيمن على الائتلاف الحاكم قد قلّص من إمكانيات التوافق، إذ إن كل الأحزاب والقوى النقابية والجمعيات مجمعة على مطلب حل الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
من ناحيته، وافق حزب التكتل من أجل العمل والحريات (شريك النهضة في الحكم) على هذا المطلب.
أما الشريك الثالث؛ حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، فقد تراجع عن دعوته أول من أمس من أجل حكومة وحدة وطنية ليدعو أمس بعد لقاء أمينه العام مع رئيس الجمهورية (وهو الرئيس الشرفي للحزب) إلى ضرورة توسيع الحكومة الحالية. وبالتالي من الواضح ان إمكانية الوصول إلى حل توافقي باتت صعبة، وأن الاحتكام يبدو أنه سيكون للشارع إذ دعت حركة النهضة أنصارها إلى مليونية دعم الشرعية يوم غد السبت، ويصر أنصارها على اعتصام دعم الشرعية أمام المجلس الوطني التأسيسي الذي يستقبل كل مساء وزراِء ونواب الحركة وقياديين فيها يشحنون هزائم أنصارهم بالحديث عن «المؤامرة» و«الانقلاب» الذي تقوده المعارضة ضد الشرعية.
في الأثناء، يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل، أقوى المنظمات النقابية، إلى إقناع «النهضة» وخصومها بصيغة توافق تحل بموجبها الحكومة وتعوض بحكومة كفاءات مستقلة وغير معنية بالانتخابات.
لكن هذا المطلب ترفضه الحركة، وهو ما سيدعو ربما الاتحاد إلى الالتحاق بالمطالبين بحل المجلس الوطني التأسيسي وإلغاء كل المسار السياسي الذي ترتب عنه والعودة إلى نقطة الصفر.
هذا المطلب ترفعه الحركات الشبابية وكذلك جبهتا الاتحاد من أجل تونس والجبهة الشعبية وبعض الأحزاب الصغرى؛ مثل المجد والحركة الوطنية، وقد قدم كل منهما أسماء لتشكيل الحكومة منها مصطفى الفيلالي ( ٩٢ عاما ) الذي يرشحه حزب المجد لرئاسة البلاد في الفترة الانتقالية الجديدة. وهو من وزراء بورقيبة ومن أعضاء المجلس التأسيسي الأول (١٩٥٩).
أما حزب الحركة الوطنية الذي يترأسه كاتب الدولة السابق في حكومة الجبالي، التهامي العبدولي، المنشق عن حزب التكتل، فيطرح تشكيل مجلس أعلى للإنقاذ يضم عشر شخصيات من بينها قائد أركان الجيوش السابق رشيد عمار، وزعيم اليسار حمة الهمامي، والأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي، والباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس، وخمسة وزراء من عهد الحبيب بورقيبة وغيرهم.
في السياق، أعلن النواب المنسحبون من المجلس التأسيسي أنهم لن يعودوا الى مجلس فقد شرعيته ومشروعيته، وان مطلب حله لا تراجع عنه ولا تنازل، في وقت اعلن فيه وزير الداخلية لطفي بن جدو، انه «تم تحديد هوية الإرهابيين» الذين نصبوا كمينا لمجموعة عسكرية أودت بحياة ثمانية وجرح ثلاثة من الجيش في جبل الشعانبي، وهي مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي تسمى مجموعة «عقبة بن نافع» تضم «إرهابيين تونسيين وجزائريين».
وقال انه «تم القبض الى حد الآن على حوالي خمسين عنصراً مورطين مع المجموعة الارهابية في الجبل إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ممن يقدمون التموين
للارهابيين».