دمشق | ما قامت لدولة أو لبلد قائمة إلا وكان لجيشها الدور الأساسي في ذلك. أما حين نتحدث عن سوريا، فهويتها الجيوسياسية المفصلية في الصراع الدولي، جعلت منها عرضةً للتربص الخارجي الطامع بشلِّ قدراتها، ما جعل من مهمة تفكيك جيشها وإضعافه مهمة ملحة وضرورية أمام القوى الخارجية. الجيش السوري، الذي شكَّله يوسف العظمة، القائد التاريخي الحاضر في ذاكرة السوريين عموماً، سنة 1918، بأمرٍ من أول حكومة وطنية في سوريا، بقيادة الملك فيصل، هذا الجيش الذي بدأت مسيرته إبان مقاومته للغزو الفرنسي، عام 1920، في ساحة القتال بميسلون، ليخوض بعدها حروب (1948، 1967 ،1973)، ها هو اليوم تجبره ظروف المعركة على أن يوجه سلاحه نحو مسلحي الداخل، والقادمين من خارج البلاد تحت عنوان الجهاد. بيد أنّ المؤسسة العسكرية أثبتت أنها قادرة على التماسك والصمود حتى في أوج الانقسام السياسي في المجتمع السوري.«أكبر جريمة ارتكبها البعض بحق الجيش، هي في تصويره على أنه جيش نظام أو كتائب (الرئيس السوري بشار) الأسد، كما يسميه المتشددون، بينما واقع الحال أن جنود الجيش العربي السوري، هم أبناء سوريا من موالاة ومعارضة، هم الذين تركوا كل الانتماءات السابقة، ووضعوا نصب أعينهم معركة الحفاظ على أمان السوريين»، يقول أحمد، أحد المجندين السوريين، خلال حديثه مع «الأخبار». ويضيف: «العيد الحقيقي لنا نحن الجنود، هو حين نرى البلاد خارجة من بحر الدم الذي حصد أرواح الكثيرين من أبناء شعبنا. أجمل الأعياد عندنا هو عندما يدرك العدو الصهيوني أنه فاشلٌ في إجبارنا على تغيير مسار بوصلتنا». أحمد يرفض كل الادعاءات التي تضخّم من تأثير الانشقاقات على المؤسسة العسكرية، فهي بنظره «مجرد فبركات ترمي إلى التغطية على القدرة الفائقة التي أظهرها الجيش في الحفاظ على وحدته وتماسكه. فالبعض غُرِّر بهم، والبعض الآخر أجبرته ظروفه الخاصة على ذلك، لكنهم في النهاية لا يشكِّلون سوى قلة قليلة من أبناء المؤسسة».ومنذ اندلاع الأزمة، يعاني المجندون السوريون من حرمانهم من التسريح، ففترة الخدمة الإلزامية، المحددة قانونياً بسنة وستة أشهر، لم تعد تشكِّل سقفاً زمنياً لمن التحق بالخدمة العسكرية. إذ إنه، وبعد قضاء الفترة القانونية، يدخل المجند السوري في «لوائح الاحتفاظ» تلقائياً، ليتم الإبقاء عليه في الخدمة، التي وصلت عند البعض حدَّ الثلاث سنوات. سياسة يبررها بعض أصحاب القرار في ضرورة أن يكون الجيش متأهباً لمواجهة جلافة الظرف الذي تقاسيه البلاد. في هذا السياق، تحصي هناء محمد الأيام التي قضاها ابنها في الخدمة بدقةٍ متناهية، وتروي لـ«الأخبار»: «بعد تخرجه من كلية الاقتصاد، التحق ولدي بالخدمة الإلزامية. أمضى سنتين وشهراً وسبعة أيام هناك، ليس هناك نظام محدد للإجازات. أحياناً تمضي خمسة أشهر لا أراه فيها أبداً. أصبح عمره 28 سنة، كيف سيؤمِّن مستقبله ويتزوج، وهو لم يتسرح حتى اليوم؟».
في المقابل، يقف هشام جزماتي، الطالب في كلية الآداب بدمشق، حائراً: «ماذا استطيع القول لجنود الجيش في عيدهم؟ عندما نريد أن نرفع من معنوياتهم، نفاجأ بأنهم هم من يرفعون من عزيمتنا. أعتقد أن علينا الصمت إزاء البطولات التي يسطّرونها». بينما ترى م. دعبول (22 عاماً) أنّ «الجيش، هو أول من يدفع فاتورة غباء بعض المسؤولين، وخيانة بعضهم الآخر، في بلدنا»، وبرأيها فإن «أفضل ما يمكن أن يقدَّم للجنود في عيد الجيش، هو أن يرتقي سياسيو البلد في فكرهم، ليفتحوا الباب للحوار، فهو الحل الوحيد الذي من شأنه أن يعيد الجندي إلى أحضان عائلته آمناً». وتتساءل بعتب: «كيف للجيش أن يحتفل قبل أن يتأكد بأن حادثة خان العسل (جنوب حلب)، التي راح ضحيتها أبناؤنا من أبطال الجيش والمدنيين، وبغض الطرف من قبل إعلامنا، الوطني جداً!، سوف لن تتكرر؟». ويؤكد محمد الأحمد (38 عاماً)، في حديثه لـ«الأخبار»: «إذا كان هناك ما يمكن قوله لبواسل الجيش في هذه المناسبة، فإننا نعاهد جنوده الأبطال بأننا سنكون السند القوي له، ضد كل محاولات ربطه وترويضه باتفاقيات الذل، كما هي الحال في العديد من بلدان المنطقة».
الأسد: العدو وجد جيشاً لا يعرف الهزيمة
وفي سياق الاحتفال بالذكرى 68 لتأسيس الجيش، زار الرئيس السوري بشار الأسد، ظهر أمس، الوحدات المقاتلة في مدينة داريا بريف العاصمة دمشق.
قال لهم: «إن ما تقومون به اليوم يسجله التاريخ وبات العالم كله يتحدث عن الجيش العربي السوري». وأكّد أنّ «العدو لم يستطع قتل عزة وشجاعة السوريين رغم كل محاولاته ومحاولات كل من يقف وراءه، لأنه وجد جيشاً لا يعرف الهزيمة والخوف. جيشاً دب الرعب في قلوب الإرهابيين وحمى الوطن منهم ولا يزال».
وكان قد وجه الرئيس السوري كلمة للجيش، عبر مجلة «جيش الشعب»، وقد أكد فيها أنّه: «نحن اليوم بفضل شعبنا وجيشنا أقوى من أي وقت مضى، وأكثر قدرة وتصميماً على التشبث بثوابتنا الوطنية والقومية، بغض النظر عن سيطرة هذا الطرف أو ذاك على القرار الدولي، فحقوق الشعوب لا تلغيها القوة، ولا يسقطها التقادم». واعتبر أنّه «لو لم نكن في سوريا واثقين بالنصر لما امتلكنا القدرة على الصمود ولما كانت لدينا القدرة على الاستمرار بعد عامين على العدوان».بدوره، جدّد نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة ووزير الدفاع، فهد جاسم الفريج، التأكيد على «قدرة الجيش العربي السوري على تحقيق النصر»، موضحاً أن «سوريا تقود الحرب ليس فقط بمواجهة المجموعات الإرهابية المسلحة بل تواجه أنظمة حكم عربية وإقليمية وتحارب الإرهاب نيابة عن العالم أجمع».
وقامت مجموعات من شباب «الحملة الوطنية لدعم جرحى الجيش» في مدينة طرطوس بالتبرع بالدم، تعبيراً عن الوقوف إلى جانب الجيش في عيده. إلى ذلك، لم يحمل النفس العام في الشارع السوري، سوى التمنيات بصمود وصلابة أكبر للمؤسسة العسكرية، إلا أن ما يجمع أغلبية هؤلاء، هو الإدراك التام بأن المحافظة على هذا الصمود باتت تستدعي من جميع السوريين، دون استثناء، العمل على تسريع الحل السياسي، الذي من شأنه أن يؤمن الاستقرار، ويعيد المؤسسة العسكرية إلى لعب دورها الحقيقي، في حماية حدود سوريا ممن كان المستفيد الوحيد جراء آلام السوريين.