القاهرة | ... وأخيراً سمح الجيش لمسؤول أجنبي بلقاء الرئيس المعزول محمد مرسي. الكلام على كاثرين آشتون، ممثلة المنظمة الوحيدة التي قبلت كل الأطراف المصرية بمساعيها ومحادثتها. آشتون نجحت في تحريك الأزمة وستعود إلى المحروسة لاستكمال جهودها. الترتيبات الأمنية والموافقة العسكرية كانت المحك الوحيد الذي واجه ممثلة الاتحاد الأوروبي لمقابلة الرئيس محمد مرسي، وخصوصاً أنها طلبت الجلوس برفقته مرتين في يوم واحد، مع تعهدها التكتم عن إعلان موعد زيارتها للمعزول وعدم البوح بمكان وجوده. واستغلت آشتون اجتماعها بالنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وطلبت منه تسهيل إجراءات مقابلة مرسي، وبناءً عليه حُدِّدت ساعة متأخرة من مساء الاثنين لتجتمع به.
أثناء تحرك الطائرة العسكرية بآشتون وطاقمها المرافق لها بصحبة شخصية عسكرية رفيعة المستوى وبعض المسؤولين من الجهات السيادية، بدت آشتون شغوفة بلقاء مرسي للوقوف على صحة ما يروجه أنصاره في الساحات الدولية على اختلاف مصالحها والتدقيق في ترتيبات الانقلاب العسكري الذي أطاح المستقبل السياسي لـ«الإخوان».
أعلنت دقات الساعة التاسعة وصول آشتون إلى مقرّ احتجاز الرئيس المعزول القابع في أحد الأماكن التابعة للمخابرات بعد نقله مرة أخرى من سجن وادي النطرون وسجن العقرب لضمان تشديد الحراسة عليه. أفراد الطاقم المرافق لآشتون «بدا عليهم الاستغراب من حسن المعاملة التي يلقاها مرسي»، بحسب ما تروي مصادر «الأخبار» العسكرية.
«لم يجد الوفد أن مرسي يتعرض لمعاملة سيئة، أو ممنوع عليه تناول الأدوية الخاصة به أو عرضه على الأطباء حال استدعت حالته الصحية ذلك، كما يقول أنصاره، بل أكد لهم رئيس طاقم تأمين وحراسة الرئيس السابق أن الطاقم الطبي المتابع لحالة الرئيس مقيم معه بحكم خلفيتهم العسكرية وطبيعة عملهم». وتؤكد المصادر المطلعة لـ«الأخبار»، أن المعزول رفض في البداية استقبال آشتون، غير أنه تراجع سريعاً عن قراره، واجتمع بها قرابة 3 ساعات متواصلة تخللتها مراسم وتفاصيل دقيقة للاستقبال والتأمين الأمني. وتضيف المصادر أن «الارتباك كان سيد الموقف بالنسبة إلى المعزول، لكن حفاوة آشتون به بدلت الأوضاع وأجبرت مرسي على تناول الموضوعات ومناقشتها من دون انطباعات مسبقة، حيث أكد لها أن ما حدث معه انقلاب عسكري على الشرعية، وأنها مؤامرة أطاحته هو ومشروعه، رافضاً الاعتراف بثورة 30 يونيو، مشيراً إلى أن الجيش والأجهزة المعلوماتية هما من افتعل هذه الأزمة وحركت الشارع ضده».
وحاول مرسي، بحسب المصادر نفسها، «إقناع آشتون بأنه يعاني من تلفيق القضايا والتهم لمنعه من الخروج، وأنه مضطهد، وطالبها بالضغط على قيادات الجيش ليتسنى له الخروج دون محاكمة أو ملاحقة قضائية وجنائية، واصفاً قيادات الجيش في الصفوف الأولى بأنهم متآمرون». ونقلت المصادر بعض الأحاديث التي رددها مرسي الذي أكدت أنه قال: «أنا الرئيس الشرعي لمصر ولا بد من حوار مع الجيش للخروج من الأزمة». وأضاف أن «الجيش أجبره مراراً على التنحي، وبرفضه انقلب عليه وأجّج غضب الشعب، رغم أنه وفصيله الإخواني لم يرفضا كل مبادرات الجيش، إلا الاستفتاء على شرعيته لأنه رئيس منتخب بالصندوق».
وتتابع المصادر أن مرسي قال إن «إخلاء الميادين سيكون مقابل خروجي، وستظل هذه الفوضى مستمرة والعنف ينتشر لما بعد التراجع عن اتهامي وسجني». واستشهد «بالمجازر التي ارتكبها الجيش في حق «الإخوان المسلمين» وعلى رأسها «مجزرة الحرس الجمهوري» و«المنصة»، وقال إن «الثوار في الميادين لن يرحلوا إلا مع خروجي وعودتي إلى منصبي، أو ضمان عدم ملاحقتي عند مغادرة البلاد».
أصغت آشتون إلى مرسي بلا انقطاع، لكنها اكتفت بالقول له إن «الحديث عن خروج آمن لقيادات الجماعة أصبح صعباً، وخاصة مع تزايد حالة العنف والاحتقان في الشارع المصري»، ووعدت بعرض الأمر ومناقشته مع القيادات المصرية.
غير أن قيادياً في جماعة «الإخوان» قال إن مرسي أبلغ آشتون رفضه لمقايضة شرعيته بـ«الخروج الآمن» له ولأنصاره. وأوضح أن آشتون «عرضت على مرسي رؤية مفادها أن تتوقف الجماعة عن الاعتصامات والأعمال الاحتجاجية مقابل الإفراج عن مرسي وقيادات الإخوان ووقف ملاحقتهم بما يقود إلى صفحة جديدة»، غير أن الرئيس المعزول أصرّ تماماً على موقفه وعلى تمسكه بـ«رفض المقايضة على الشرعية بالخروج الآمن».
وفي مؤتمر صحافي لاحق، أعلنت آشتون أن مرسي بصحة جيدة ويلقى معاملة حسنة، لكنها لا تعرف في أي مكان بالضبط جرى اللقاء.
ووصفت اللقاء بأنه كان صريحاً ومفتوحاً، مشيرة إلى أن مهمتها تتمثل في «تسهيل تبادل الآراء» بين الأطراف، وإن كانت لا تحمل مبادرة أوروبية بهذا الشأن.
وبعد لقائها نائب الرئيس المصري للعلاقات الدولية، محمد البرادعي، أكّدت آشتون أن الجهود الأوروبية لحل الأزمة ستتواصل، وأنها ستعود ثانية إلى مصر لهذا الغرض.
في المقابل، نفى البرادعي أن يكون الاتحاد الأوروبي يقوم بعملية وساطة، ويبدو أنها في إطار المساعي الحميدة.