القاهرة | عادت ممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، كاثرين أشتون، للمرة الثانية في غضون أسبوعين إلى أرض المحروسة، كي تنشط الوساطة الأوروبية لحلّ الأزمة المصرية المستفحلة، داعية الحكام الجدد، وخصوصاً القيادة العسكرية، إلى إنهاء المواجهة مع الإخوان والدفع باتجاه المصالحة. وعلى مدار الساعة ونصف الساعة والكلمات الدبلوماسية المغلفة بشروط لا تفارق شفتَي ممثلة الاتحاد الأوروبي، خلال لقائها بوزير الدفاع والإنتاج الحربي، عبد الفتاح السيسي، ورئيس أركان الجيش المصري الفريق صدقي صبحي، منحت الضيفة الأوروبية لنفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وكأنها حمامة سلام تحمل رسائل الرحمة للشعب المصري. عبارة فضفاضة قالتها للرجسسلين: «قلقون بشأن الأوضاع الداخلية بمصر»، علها تجد إيماءات تكشف عن موافقات ضمنية لقبول مساعي الاتحاد الأوروبي، التي عُرضت في آخر اجتماع جمعها مع السيسي في نهاية الشهر الماضي والمختزلة في: الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وقياداته المقبوض عليهم بسبب تورطهم في قضايا جنائية.
وقالت أشتون لمضيفيها إن «الاتحاد الأوروبي يدعم المصالحة بين كافة الإطراف في مصر، ويؤكد ضرورة الاستقرار الداخلي لها، ويرفض فضّ اعتصام رابعة العدوية بالقوة»، موجهة العديد من الاستفسارات للسيسي ورئيس أركانه عن موقف الجيش حيال ما يحدث في المشهد السياسي.
وكعادة الفريق السيسي، المعروف بأنه يصغي إلى حين إنهاء مَن أمامه حديثه، أجاب ضيفته بأن «المؤسسة العسكرية حريصة على دعم الاستقرار داخل البلاد وتعمل بحيادية ولا تنحاز إلى أي فصيل، والجيش المصري ملك للشعب ولا ينتمي إلى أي فصيل». وأضاف: «لا ندعم أي طرف على حساب الآخر، وسلاح الجنود في الجيش موجه إلى أعداء الوطن، ولا يمكن أن يوجه إلى صدور المصريين، والمؤسسة العسكرية لن تقدم على فضّ اعتصام رابعة بالقوة، غير أن القانون وحده هو من يحدد العلاقات بين المؤسسات وبعضها وبين المواطنين، ومظلة القانون تغطي الجميع بلا استثناء». السيسى وجّه عبارات حادة بعض الشيء إلى ممثلة الاتحاد الأوروبي ليجنب نفسه مأزق تدخلها في الشؤون الداخلية. قال، بحسب ما تروي مصادر «الأخبار» العسكري، إن «الأمن القومي لمصر خط أحمر، ولن تسمح القوات المسلحة بالتهديد، ولن تقبل بجرّ البلاد إلى حرب أهلية أو فوضى».
استشهد القائد العام بمشهد المليونية الأخيرة لتأييد الجيش والتفويض إلى قواته المسلحة محاربة «الإرهاب الأسود»، قائلاً إن «المصريين أعطوا للعالم درساً في ممارسة الديموقراطية»، مشيراً إلى سلمية التظاهرات التي اجتاحت الميادين المختلفة يوم الجمعة الماضي. وأكد أن «أي خروج عن نص الممارسة الحقيقة للديموقراطية سيقابل بكل حزم، والمجتمع الدولي لن يسجل على المؤسسة العسكرية في مصر خطأً واحداً لأنها تتعامل وفق الدستور المصري وتراعي شعبها».
رسائل السيسي لأشتون باتت واضحة تماماً في كل اللقاءات المتتالية، والتي تتمثل في غضبه من ممارسات جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارهم و«تزييف الحقائق وتضخيم الأمور ومحاولاتهم المستميتة في تأليب المجتمع الدولي على مصر»، رافضاً تلك المحاولات إلى جانب مبدأ التدخل في شؤون مصر الداخلية، غامزاً من الاجتماعات التي تعقدها شخصيات من دول أجنبية مع قيادات من «الإخوان المسلمين».
واستطرد السيسي في حديثه، مطالباً أشتون أن يتفهم المجتمع الدولي طبيعة الأوضاع في مصر على حقيقتها، وأن يعي وعورة التدخل في الشأن الداخلي، مشدداً على أنّ «محاولات التشوية المتعمد من جانب أنصار المعزول والضغط الخارجي لا تفيد، وأن محاولات فرض الوصاية على المصريين غير مجدية».
ولم ينس السيسي أن يبعث برسالة طمأنة إلى الاتحاد الأوروبي، فقال: «وعدنا مؤيدي الرئيس السابق بعدم الملاحقة الجنائية لمن سيترك الاعتصام، إلا من قيد ضدّه قضية أو اتهام، مع التأكيد أنّ الجناة منهم سيمثلون أمام قاضيهم الطبيعي، لأن مصر بلد مؤسسات والقانون سيد الموقف في هذه الحالات»، نافياً فرض إجراءات استثنائية، مؤكداً أن المصالحة ستشمل الجميع عدا ما ثبت ضده التورط في أعمال عنف.
إضافة إلى القيادة العسكرية، التقت أشتون الرئيس المؤقت عدلي منصور، ورئيس الحكومة حازم الببلاوي، ووزير الخارجية، نبيل فهمي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، إن أشتون شددت خلال لقائها فهمي على أهمية المصالحة في مصر ومشاركة الجميع في «تنفيذ خريطة الطريق».
والتقت آشتون أيضاً قيادات حزبية بينها قيادات إسلامية وقيادات حركة «تمرد» في مسعى لتقريب وجهات النظر وحلحلة الوضع. وأكدت «تمرد» خلال لقائها أشتون أنها ترفض رفضاً قاطعاً الصفقات أو الخروج الآمن لقيادات جماعة الإخوان المسلمين، فيما كشفت مصادر أن المبعوثة الأوروبية طرحت على قيادات «الإخوان» مخرجاً للأزمة السياسية الراهنة، تضمن تقديم بعض التنازلات السياسية، منها القبول بإطاحة مرسي والتعامل مع هذا الأمر باعتباره واقعاً.