بدأ اللبنانيون يحصدون سياسة النأي بالنفس عن الملف الإنساني للاجئين السوريين، وتداعياته على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، بعدما انتشرت ظاهرة مؤسسات تجارية، في المناطق التي توافد إليها اللاجئون، ما رفع الصوت احتجاجاً على المنافسة، إن في الأسعار أو في أجور اليد العاملة.
الدولة اللبنانية كعادتها تتخذ إجراءاتها متأخرة، فبعد اجتماعات اللجنة الوزارية ــ الأمنية المكلفة ملف الأزمة السورية، أصدرت قراراً بإقفال أية مؤسسة تجارية كانت مطعماً أو فرناً أو محلاً، تعود لسوريين مسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة ويستفيدون من تقديماتها الإغاثية والصحية. وإن لم يكن مسجلاً، من المفروض أن يخضع للإجراءات القانونية وبينها مباشرة عمل في وزارة المالية، والتسجيل في غرفة التجارة والصناعة، إضافة إلى تسجيل الأجراء لدى صندوق الضمان الاجتماعي وخضوعهم لضريبة الدخل، والحصول على إجازة عمل وتأشيرة إقامة وغيرهما من الإجراءات المتعلقة بالرعايا العرب والأجانب.
ومن المقرر أن يُعقَد اليوم اجتماع في سرايا زحلة، بحضور المحافظ وقائد المنطقة وممثلين لوزارتي الاقتصاد والعمل، للبدء بالعمل المقرر لمعالجة ظاهرة المؤسسات غير المصرح عنها في منطقة البقاع الأوسط، بعد مسح المنطقة. وسبق لوزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، أن أعلن أكثر من مرة أن «كل مؤسسة أو دكان صغير أو أي نوع من الأعمال التي افتتحت أخيراً والتي لا صفة لها، ستقفل». هذا التصريح خلف حالة من الذعر لدى السوريين، لما قد يصيبهم منه.
تصنف منطقة البقاع بأنها أكثر المناطق اللبنانية تأثراً بهذه الظاهرة، وخصوصاً في البقاعين الغربي والأوسط، اللتين شهدتا إقبالاً كثيفاً من تجار سوريين على فتح مؤسسات، ونقل أعمالهم من دمشق وحمص وحلب إليها؛ إذ يبلغ عدد هذه المؤسسات نحو 380 مؤسسة، 260 منها تعمل في مجال المطاعم، و 120 منها تجارية وصناعية.
أصحاب هذه المؤسسات تلقوا قرار الإقفال، عبر وسائل الإعلام، ورأوا أن هذا القرار هو لإرضاء أصحاب مؤسسات تجارية وسياحية يمتلكها لبنانيون اعترضوا على وجودهم في المناطق البقاعية. الخسائر تبدأ بالاستثمار المالي المباشر، مروراً بالتجهيزات، وصولاً إلى الإيجارات التي تجاوزت المعقول، فضلاً عن أن هذا الإجراء يولد بطالة في صفوف المواطنين السوريين، وخاصة أن أقل مؤسسة من هذه المؤسسات يعمل فيها 3 أو أربع عمال سوريين.
وبحسب إحصائيات لدى أحد الناشطين السوريين، فإن عدد العمال السوريين في هذه المؤسسات يبلغ 1250 عاملاً، فضلاً عن المؤسسات التي فتحها لبنانيون، وتعتمد على اليد العاملة السورية في إعداد الوجبات الشامية والحلبية، باعتبار أن غالبية زبائنهم هم بالأساس كانوا يقصدون سوريا لتناول هذه الوجبات، فضلاً عن السوريين التي يفضلونها.
وعن آلية العمل بهذا القرار، أكد العديد من أصحابها عدم تبلغهم بالإجراء رسمياً من أي طرف، إلأ في الإعلام، حسب ما أكده أبو عمار مطاوع صاحب مطعم على طريق بر الياس ــ دمشق، متخصص بالأكلات الشامية، «غمة وفتة».
يروي مطاوع أن مطعمه لا ينافس مؤسسات لبنانية، ويؤكد أنه قصد بلدية بر الياس وسألهم عن الإجراء القانوني، فوافقوا على فتح المطعم، وليس هناك أي إجراءات بهذا الخصوص.
ولفت إلى أنه منذ ستة أشهر تاريخ فتحه المحل، حضرت لجنة من مصلحة الصحة، وطلبوا منه بيانات عن العاملين عنده، وبشكل دوري يقومون بالكشف على المطعم ومواصفاته الصحية، وأكد أن الفكرة أتت عندما قصد مركز تسجيل النازحين، ورأى المهانة، عاد أدراجه دون أن يسجل، وقرر أن يفتح مصلحة يوفر من خلالها أكثر من خمس فرص عمل.
وكشف مطاوع أن تجهيزه للمحل كلفه 35 ألف دولار، ليتابع: «نحن تحت سقف القانون، عادل لا ظلم فيه ولا إجحاف، بما يضمن حق الدولة وحقنا»، وأشار إلى أن وجود تجمعات للسوريين النازحين في البقاع خلق حالة اقتصادية كبيرة، لا تستطيع المؤسسات الموجودة تلبيتها.
لا يختلف حال جميل الآتي من الغوطة، عن غيره؛ فهو صاحب مطعم «فول ومسبحة»، أيضاً على طريق بر الياس ــ دمشق. يحار في أمره إن لحقه الإجراء وأقفل مطعمه. كيف سيسدد إيجار منزله البالغ 500 دولار أميركي، وإطعام عائلته المؤلفة من 8 أفراد؟ «عندي 3 عمال معيشين عائلاتهم، أين أذهب بهم؟ بيسرقوا أو بيرجعوا للموت»، ليردف متأففاً: «مفكرين إنو الأمم المتحدة معيشة عائلات هذا غلط، الشغلة مو بس بالعدس والرز، وين إجرة البيت واللبس والشرب والكهرباء؟ كل شي عندكم غالي». ولفت إلى أنه مستعد لأن يقونن وضعه، متمنياً «مراعاة وضعنا الاستثنائي، وأن تكون الإجراءات الإدارية للحصول على الترخيص متوافرة دون الوقوع في فخ البيروقراطية».
لكن وسام، صاحب محل للشاورما، ينفي أن يكون هو صاحب المحل، قال إنه شريك للبناني، هو بجهده وخبرته، واللبناني بمعداته ورأسماله، «لذا لا ينطبق على القانون الذي يحكى عنه»، وأشار إلى أن اعتراض بعض مطاعم الشاورما على وجودنا، ما هو إلا لأننا «كشفنا أرباحهم المضاعفة أضعافاً لدى المواطن». ولفت إلى أن ما يتحدثون به عن منافسة وخسائر فهذا غير حقيقي، باعتبار أن عمالهم سوريون ومحلهم إما ملك أو إيجار قديم، «ونحن أيضاً عمالنا سوريون وإيجارنا ضعف إيجارهم، ومصاريفنا توازي مصاريفهم، كيف نحن نربح وهم يخسرون؟».
أبو عصام الدوماني، الذي فتح محل على طريق زحلة ــ سعد نايل، وجد الحل للهروب من هذا الإجراء عبر مشاركة لبناني في مؤسسته التي يبيع فيها أدوات منزلية، قال: «تسجيلي بالأمم المتحدة منشان الطبابة؛ لأن عندكم ما إلنا قدرة على الدفع».
اللافت أن هناك مؤسسات ضخمة فتحت بأكلاف كبيرة، ناهزت 300 ألف دولار أميركي، ولم تعمل على تسوية وضعها القانوني، ليتخبط أصحابها بهذا الإجراء الذي قد يفرض عليهم تسوية أوضاع العمال لديهم، وخاصة أن غالبيتهم يستفيدون من تقديمات الأمم المتحدة.
أما في المقلب الآخر، فيجد أصحاب المطاعم اللبنانيون في البقاع أن هذا الإجراء ضروري وأتى متأخراً؛ لأن «المطاعم السورية تضارب على عملنا، وجعلتنا نعمل بخسائر فيما الدولة غائبة». يؤكد صاحب سوبرماركت في البقاع الأوسط أن وجود اللاجئين السوريين زاد من نسب البيع والأرباح، وخصوصاً أن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وقّعت اتفاقيات مع عشرات المؤسسات اللبنانية في البقاع لصرف قسائم المواد الغذائية والتنظيفات، تزيد على 200 ألف دولار شهرياً لكل مؤسسة».
من جهته يشير رئيس بلدية سعدنايل خليل الشحيمي، إلى أن البلديات لم تتبلغ رسمياً أي قرار بهذا الخصوص، ولفت إلى أن المحالّ المخالفة تشمل سوريين ولبنانيين.