ماذا ينوي الإخوان أن يفعلوا، وما النقاشات التي تدور داخل الجماعة التي توصف بأنها الحركة الأكثر تماسكاً وتنظيماً على الأرض والأكثر سيطرة على مقتضيات الأمور في ميدان رابعة العدوية؟ أسئلة تتجدد مع كل تصاعد للأحداث تشهده مصر، وخاصة مع تزايد وقوع القتلى والجرحى، مثلما جرى في ما عرف «بمجزرة المنصة» بحق أنصار الجماعة أول من أمس، أو بحق المتصدين لتظاهرات الإخوان من الأهالي في أكثر من مدينة، ومع استمرار التهديد الرسمي بفض اعتصام رابعة بالقوة وإعلان حالة الطوارئ، رغم إطلاق عدد من المبادرات، كان أبرزها مبادرة الدكتور سليم العوا ومعه عدد من المفكرين الإسلاميين المستقلين. كلها تطورات ضاعفت من قيمة السؤال عما إذا كانت الجماعة ستسلك طريق المبادرات السياسية، أو ستستمر في طريق التصعيد، في ظل رغبة غير مخفية بقمعهم والتنكيل بهم من قبل مؤسسات القوة في المجتمع، وسط انقسام حول التعاطف معهم أو رفض ما يجري لهم. «الأخبار» سعت إلى استبيان الموقف عبر التواصل مع عدد من المستويات المختلفة داخل الجماعة، التي يبدو أنها تعيش حالة من التخبط على مستوى القرار، محاولة الاستفادة قدر الإمكان من وضع المظلومية التي وجدت نفسها فيه، معتمدة أسلوب كسب الوقت بالتصعيد. قطاع الشباب داخل الجماعة، يرى في غالبيته أن الأمر لم يعد فيه تراجع، بعد كل هذه الدماء التي سالت، وأنهم يفضلون الموت على الأرض خيراً من الموت في المعتقلات من التعذيب، وسد المسارات السياسية التي تتيح لهم التعبير عن أفكارهم. السمة الغالبة هي رفض المبادرات السياسية المطروحة باعتبارها «تضييعاً لحق شهدائهم وقتلاهم، فالقضية لم تعد مرسي أو الشرعية فقط، ولكن محاسبة المتورطين، وهم في ذلك مستعدون للشهادة والموت». إلا أن ثمة صوتاً خافتاً في أوساط الشباب دعا إلى «القبول بمبادرة العوا بوصفها تحفظ لمرسي خروجاً كريماً، وتضمن عدم تعطيل العمل بالدستور»، إلا أن صوته لم يكن له صدى بسبب احتجاج المخالفين لهذه الفكرة بأن التيارات السياسية الأخرى ومؤيدي عبد الفتاح السيسي رافضون لها، فضلاً عن سيطرة فكرة الصراع الإسلامي وغير الإسلامي عليهم.
ورغم أن المواقف الرسمية للجماعة جاءت لتؤكد أن «الثبات على الحق والسلمية طريق سقوط الانقلاب العسكري لا محالة، واستخدام العنف والبطش فشل ذريع ودليل يأس»، كما قال المتحدث باسم الجماعة أحمد عارف على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، مع تقدير مبادرة العوا والنظر فيها من دون إبداء رأي نهائي حتى الآن، إلا أن مصدراً قريب الصلة من قيادات الجماعة، سبق أن عمل في مؤسسة الرئاسة، كشف لـ«الأخبار» أن ثمة «حالة من التخبط وعدم الحسم في اتخاذ قرار بشأن الموقف النهائي»، وأن «لا إجماع داخل دائرة اتخاذ القرار على رؤية استراتيجية واحدة للتعامل مع الموقف، ولا سيما مع كثرة الدم الذي أريق، وخاصة مع تصاعد المطالب بالاستمرار من قبل قطاعات واسعة محيطة بالجماعة، ومن ثم فإن الاستمرار على النهج نفسه من استكمال المسيرات والاعتصامات هو السبيل المتاح حالياً، وخاصة في ظل البطء والتعثر الذي تشهده اللقاءات التي كُشف عن محاولات إجرائها» بين قادة في الجماعة كالدكتور محمد علي بشر عضو مكتب الإرشاد، والدكتور عمرو دراج وزير التعاون الدولي السابق، من جانب، والجانب الآخر من المجلس العسكري.
جمال حشمت، القيادي في «الإخوان»، قال لـ«الأخبار» في معرض حديثه عن الآتي «الأمر سيبقى على ما هو عليه، فالطرف الآخر مرتبك، ومشاكله أكثر، فالرفض للانقلاب من قبل كثيرين في المجتمع الدولي، والدعم الشعبي يتزايد بعدما رأى مساوئ الانقلاب بنفسه، وتزايد الحشود واستمرارها تجعله في موقف ضعيف يظهر في استخدامه للعنف» وهو أمر علق عليه محمد حسين، الباحث في شؤون قضايا فكر الحركات الإسلامية، بأن «الجماعة من الصعب عليها أن تتراجع من دون خطوات إيجابية أو ناجزة على أرض الواقع، تمثل مكسباً يمكن تقديمه للحشود التي حشدتها منذ ما قبل 30 حزيران من أجل الشرعية وعودة مرسي»، مشيراً الى أن «خط الرجعة الآن بات شبه مقطوع عند كلا الطرفين، الإخوان والجيش، ومن خلفهم مناصروهم ومؤيدوهم، بعد تصعيد كل طرف ضد الآخر وإعلانه تمسكه بموقفه». ورأى أن «نمط تفكير الطرفين متشابه، وأن قيادات الطرفين وجهان لعملة واحدة في طريقة التفكير، وهو ما يعني أن فض المشهد ستكون تكلفته باهظة جداً على الجانبين».
الظاهر في الأمر أن الرهان يبدو على رفض قادة في الجيش للمسار المتخذ من قبل السيسي، وخاصة في ظل تصاعد المواجهات على الأطراف كسيناء، قد يدفعهم إلى عزله، مع وجود ضغط دولي، واستثمار تزايد التعاطف الشعبي مع أنصار الجماعة وأنصار «عودة الشرعية»، بعد ارتفاع وتيرة القتل في صفوفهم. رهانات تدفع «الإخوان» إلى الاستمرار في المسار نفسه وعدم الإقبال على مبادرات كمبادرة العوا أو غيرها أو اتخاذ مسار آخر، وهو ما يؤكد ما قاله المصدر بأنه لا وجهة محددة سوى «كسب الوقت بالتصعيد».