بنغازي | لم يكن الأسبوع الثالث من رمضان أسبوعاً هادئاً في ليبيا، فقد جاء خبر اغتيال الناشط السياسي الليبي عبدالسلام المسماري كالصاعقة على قلوب محبيه، فيما تشهد البلاد سلسلة أحداث أمنية متنقلة، أبرزها اغتيالات طالت ضباطاً وعسكريين، وهروب جماعي من سجن بنغازي. وفيما كانت تونس تشيّع المناضل الناصري محمد البراهمي، كان المسماري ينشط باتجاه تنظيم مراسم إحياء الذكرى الثانية لمقتل القائد العسكري لقوات المعارضة الليبية ضد نظام معمر القذافي، اللواء عبد الفتاح يونس الذي اغتيل في نهاية شهر تموز من عام 2011.
لكن مسلسل الاغتيال الذي تشهده المدينة منذ أسابيع ويستهدف كبار الضباط، وصل الى الناشط اليساري الذي تلقّى رصاصة واحدة في الصدر من الجهة اليسرى، أثناء خروجه من أحد مساجد المدينة التي شهدت انطلاقة الانتفاضة ضد حكم معمر القذافي في شباط 2011.
اللافت أن الناشط الليبي كان قد أخبر جميع أصدقائه قبيل وفاته بأنه قد يرحل خلال الساعات المقبلة، وأن مهدّديه قد ضيّقوا الخناق عليه، ما لا يجعل مجالاً للشك لديه في الاغتيال. لعل مواقف الرجل هي ما سرّع في قتله، إذ إن المحامي المعروف بمواقفه «الرافضة لهيمنة الإخوان المسلمين» على مفاصل الدولة في ليبيا، كان قد نشر على صفحته الخاصة في فايسبوك قائمة بأسماء عدد من نواب المؤتمر الوطني العام (البرلمان) سبق لهم أن أصدروا بياناً لرفض أحداث 30 حزيران الأخيرة في مصر. وبحكم أنه من المؤيدين لتلك الأحداث التي خلعت الإخوان المسلمين من الحكم، تساءل عن جدوى إصدار بيان لاستنكار «إرادة الشعب» من برلمانيين محسوبين على التيار الإسلامي في ليبيا. وحذر المسماري من أن بيانات فردية كهذه من شأنها الإساءة إلى علاقة ليبيا بمصر، كاتباً على صفحته في 24 تموز الحالي: «لا يجب على ليبيا خسارة علاقتها مع مصر لإرضاء المرشد العام للجماعة».
ووجه رسالة أخرى كتب فيها «لمن يهددون باستخدام العنف ضدنا أو القتل أو التغييب بسبب مواقفنا الوطنية نقول: إننا سنهزمكم بنضالنا السلمي... أقوى سلاح بيد الشعوب، فخلال انشغالكم في الصراع على السلطة ونهب أموال ليبيا، نجحنا في تغذية وعي الشعب بالأفكار والحقائق التي بلورت ولادة تيار شعبي واسع يرفضكم، ويدرك تجاوزاتكم والضرر الذي ألحقتموه بالوطن، هذا التيار لن ينال منه تهديد أو قتل أو تغييب لهذا الناشط أو ذاك، لأنه تيار شعبي ممتد في أوساط البسطاء والنخب في كافة المدن والمناطق الليبية. فلا مستقبل لكم مهما فعلتم، فأنتم وأمثالكم طارئون ومصيركم الزوال».
وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، كان المسماري رافضاً لفكرة «جهاد» الليبيين في سوريا، وكان دائماً يرى أن ليبيا أولى بشبابها. ودعا السلطات في أكثر من مناسبة إلى تسريع إيجاد حلول لمنع الليبيين من السفر إلى «الجحيم».
وحول مواقفه من المقاومة اللبنانية، أعلن المسماري صراحة إعجابه بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ناقلاً على صفحته على فايسبوك، بعد صدور القرار الأوروبي بوضع الجناح العسكري للحزب على قائمة المنظمات الإرهابية، كلام نصرالله الذي قال وقتها «يبلوه ويشربوا ميتو».
وعقّب على ذلك قائلاً «السيد حسن نصرالله الشيعي، من غيره أذاق الجيش الصهيوني (الذي لا يُقهر) هزيمة حقيقية؟.. يبدو أن ذاكرة البعض أقصر من نظره.. حسن نصرالله من القادة القلة الذين لا يرسلون أبناء الناس إلى (الجهاد) بينما يتنعمون هم وأبناؤهم وأهلهم في حياة الدعة والترفيه.. أم نسيتم هادي نصرالله الذي استشهد في مواجهة العدو الصهيوني... يا من نسيتم العدو الحقيقي للدين والوطن وخضتم في قتال بعضكم بعضاً».
أما موقفه تجاه الحكومة، فكانت مواقف منتقدة لسياساتها الأمنية، إذ بعث الى رئيس الوزراء الليبي علي زيدان برسالة في أيار الماضي يقول فيها «بنغازي آمنة بفضل الله ثم جهود أبنائها.. لو انتظرت الحكومة أو المؤتمر لغرقت في وحل الصوملة».
وخلال أيام الانتفاضة ضد القذافي، اتهم المسماري العديد مِمّن تصدّر المشهد السياسي والعسكري في ليبيا بالعمل لمصلحة «أجندات خارجية»، واتهم رموز الإخوان في ليبيا بتلقّي أموال ورشى من قطر، داعياً في الوقت نفسه الساسة الليبيين الى عدم الخضوع للتعليمات القطرية. ووصف العاصمة القطرية الدوحة بأنها مكة الساسة الليبيين. ولم يُنكر عداءه للمجلس الوطني الانتقالي ولا المؤتمر الوطني، واستمر في فضح ممارسات الحكومات الانتقالية، متهماً الإخوان المسلمين صراحة بأنها تقف وراء تعطيل بناء مؤسسات الدولة. وأوضح في أكثر من مناسبة أن الجماعة فصّلت الإعلان الدستوري المؤقت الصادر من المجلس الوطني الانتقالي في آب من عام 2011 على مقاسها حتى يتسنى لها التحكم في الفترات الزمنية المنصوص عليها في المادة 30 من الإعلان، والتي تعدّ بمثابة خارطة للطريق.
والمسماري محام وناشط حقوقي وسياسي ليبي، ولد في مدينة بنغازي عام 1969 وترعرع في منطقة البركة حيث قُتل. وهو أب لخمسة أطفال. لم يرتبط اسمه خلال الثورة وبعدها بأي شبهات أجنبية.
هو من المؤسسين لائتلاف 17 فبراير عام 2011. وكان ممن يثابرون على وقفات احتجاجية أسبوعية أمام محكمة بنغازي تضامناً مع أسر ضحايا مجزرة سجن أبو سليم، التي قضى فيها أكثر من 1200 سجين إسلامي أواخر التسعينيات. أما مسيرة جنازته يوم السبت في بنغازي فقد تحولت الى حالة غضب ضد مقار حزب العدالة والبناء (الإخوان المسلمون) وحزب «الأمة الوسط» الاسلامي بزعامة سامي الساعدي، وتحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل.
وبينما كانت مقار الأحزاب الاسلامية في العاصمة طرابلس تتعرض أيضاً للهجوم من الغاضبين لاغتيال المسماري، أعلن رئيس الوزراء الليبي علي زيدان أنه سيجري تعديلاً على حكومته ويقلّص عدد الوزراء لضمان أداء أفضل لمواجهة الوضع الراهن العاجل.
في هذه الأثناء، أكد وزير العدل صلاح المرغني أنه سيستقيل من منصبه إن لم تكشف ملابسات الحادثة قبل يوم الأحد (أمس). لكن لم يظهر أي جديد على هذا الصعيد حتى كتابة هذا التقرير.
لكنّ النائبة أمينة المغيربي أعلنت صراحة استقالتها من المؤتمر.
وغداة هروب نحو 1200 سجين من سجن الكوفية في بنغازي، أطلقت غرفة العمليات الأمنية المشتركة، أمس، لتأمين المدينة، تحذيراً للمواطنين من عدم الاقتراب من سجن الشرطة العسكرية في منطقة بوهديمة بناءً على معلومات تفيد بمحاولة لاقتحام السجن لتهريب السجناء.
وفي وقت لاحق من مساء أمس، دوّت ثلاثة انفجارات في بنغازي استهدفت مؤسسات قضائية في المدينة، وجرح نحو 40 شخصاً، حسبما أفادت مصادر خاصة لـ«الأخبار».