القاهرة | في خضم الاستقطاب الحاصل في مصر، الذي بلغ مدى لم يصل إليه من قبل بين مكونات المجتمع المصري، وصل إلى حد الاقتتال بين مؤيدي الرئيس محمد مرسي وعودة الشرعية، ومؤيدي الفريق عبد الفتاح السيسي وتأييد خريطة طريقه، ظهر أطراف آخرون يرفعون شعار «يسقط كل من خان: عسكر، فلول، إخوان». أطراف تدعو إلى إيجاد مخرج من الأزمة بعيداً عن مسار مرسي ــ السيسي، رافضة أي اعتداءات أو انتهاكات تحدث من قبل أي طرف ضد أي طرف، وإلى النزول للميدان اعتباراً من أمس، تحت ما يسمى الميدان الثالث بعيداً عن رابعة العدوية والتحرير. وكان قد سبق هذا التيار ما يعرف باسم حركة «أحرار»، التي بادرت إلى تنظيم تظاهرة ضمت بضعة آلاف أمام قصر عابدين، رافعين شعارات من قبيل: «من مرسي للطرطور يا قلبي لا تحزن»، في إشارة إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور، مؤسسين ما سموه «التيار الثالث»، ومدشنين لنفسهم «هاشتاغ» بهذا الاسم، التيار_الثالث. هتافاتهم من نوع «مش إخوان ولا عايز مرسي.. بس يا سيسي إنسى الكرسي»، «والداخلية رجعت تاني.. وعكاشة ولميس وتهاني»، و«مش عايزين يحكمنا عساكر ولا أحزاب بالدين بتاجر»، و«عايزين حاجة تقول الحق. حاجة تقول للظلم لأ»، و«الميدان بقى للفلول.. وانت ساكت مش معقول».
غير أنهم في الوقت نفسه لم يسلموا من انتقاد طرفي المشهد، حيث نالوا اتهامات بشق الصف وبأنهم خلايا نائمة وحصان طروادة من قبل مؤيدي الداخلية والسيسي، وغيرها من الاتهامات التي سعت إلى شيطنتهم. اتهامات دفعت كثيرين، من بينهم الناشط الإسلامي إسلام لطفي، أحد الداعين إلى فكرة الميدان الثالث، إلى التأكيد أنهم مجموعة خرجت ضد حسني مبارك لفساده ومجلس محمد طنطاوي العسكري لإساءته إلى الجيش المصري في المرحلة الانتقالية، وضد محمد مرسي وجماعته للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وأنهم يرفضون تدخل الجيش في الحياة السياسية بذريعة مواجهة الإرهاب ودعوة وزير الدفاع للناس إلى الاحتشاد. وأنهم يرون أن مهمة الجيش الكبرى هي حماية الحدود والإرهاب الخارجي. وأنهم يريدون الخروج من الميدان بأشخاص يؤمنون بالدولة المدنية وقادرين على صناعة مستقبل وطن.
عابد محمد، ناشط لم يتجاوز العشرين، كان قد ألقي القبض عليه في عهد الرئيس محمد مرسي، أثناء احتجاجات ضد حزب «الحرية والعدالة» في القاهرة، قال لـ«الأخبار» إنه «يشارك في تظاهرة سفنكس، لأنه يرفض انتهاكات العسكريين مثلما حدث عند الحرس الجمهوري وغيرها من اعتقالات، ويرفض عودة الإخوان بما ارتكبوه ضد خصومهم في الاتحادية وغيرها». ولفت إلى أن «الفكرة حقوقية بالأساس؛ لأن في النهاية نحن ضد أي ظلم، سواء نابع من السلطة العسكرية أو الدينية»، موضحاً أنه دعا أصدقاءه عبر حسابه على «الفايسبوك» إلى النزول للميدان كي «نهتف ضد الإخوان والعسكر والداخلية ونتصاحب على ناس جديدة بتفكر زيّنا عشان دول اللي هنكمل معاهم المشوار اللي هنحقق فيه أهداف الثورة غصب عن الإخوان والعسكر والحكومة والداخلية وجبهة الإنقاذ».
ويتفق محمد سمير، أحد الفاعلين في الدعوة إلى ثورة كانون الثاني 2011 وتظاهرات 30 تموز 2013 على السواء، في حديثه لـ«الأخبار» على جوهر الفكرة، برفض حكم كل من الإخوان والعسكر. غير أنه يؤكد أنه لا يوجد أي تنظيم أو شكل أو حركة في الإسكندرية ينضوي معها أصحاب هذه الفكرة. ويرى أن هناك بالفعل مأزقاً سياسياً كبيراً تعيشه البلاد. لكنه يرى أن حله في يد جماعة الإخوان عبر كفها عن التصعيد في الشارع، والقبول بأن ما جرى في 30 حزيران كان حراكاً شعبياً ضدها، مستطرداً بأن ما قام به الفريق عبد الفتاح السيسي، بالدعوة إلى الاحتشاد في الميادين أمس، يعطي حجة قوية للقائلين بأن ما جرى هو انقلاب.
بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، الدكتور عبد الفتاح ماضي، أن «فكرة المسار الثالث أو التيار الثالث هي ما يحتاجه المجتمع الآن لإجبار الطرفين اللذين يقودان طرفي الصراع، سواء الإخوان أو العسكر، على التنازل وإبداء المرونة لإيجاد مخرج آمن للمجتمع بأكمله». ويرى أن الدعوة إلى عودة مرسي ثم التفكير في ما يمكن عمله هو أمر مستحيل الآن، وأن التعامل الأمني للقضاء على الإخوان هو أمر خطير وعواقبه وخيمة، لافتاً إلى أن «وجود مخرج سياسي يقوم على إحدى المبادرات السياسية كمبادرة الدكتور سليم العوا، المرشح الرئاسي السابق، التي تقوم على فكرة أن يتولى رئاسة الوزراء شخص يُتوافَق عليه، على أن تُجرى انتخابات رئاسية خلال 90 يوماً، هو أحد المسارات التي يمكن التفكير فيها، بحيث نخرج من ثنائية عودة مرسي وتفويض السيسي».
وعن إمكانية نجاح فكرة التيار الثالث أو الميدان الثالث، أوضح ماضي أنها تعتمد على جملة من الأمور، بعضها في يد الداعين إلى الفكرة، كتحويلها إلى حركة أو فكرة والإلحاح عليها. أما على الجانب الآخر، فيعتمد على أخطاء الآخرين، حيث إنه كلما وقع الإخوان ومؤيدوهم والعسكر ومؤيدوهم في أخطاء أكبر، ثبتت صحة المسار الثالث عند رجل الشارع العادي، ويثبت له أن الاستقطاب الحاد لن يؤدي إلى حل.
ويبقى السؤال: هل تُعلي الأيام المقبلة من صوت هذا التيار الرافض لحلول طرفي المشهد بعد حجم الدماء التي أريقت حتى وصلت قبل يومين إلى 218 قتيلاً وأكثر من 3000 جريح خلال شهر في مصر، يضاف إليها أعداد أمس، أم تضيع أصواتهم على وقع هتافات الحشود والحشود المضادة ليجدوا أنفسهم قلة في المجتمع؟