مفاجأة لم يكن أحد يتوقعها رغم الاشتباه في وقوف نفس الجهة وراء اغتيال الشهيدين، زعيم حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد شكري بلعيد يوم ٦ شباط الماضي وزعيم التيار الشعبي محمد البراهمي أول من أمس، إذ تبين أن سلاح الجريمة هو نفسه الذي قتل به القياديان المعارضان. هذا ما أكده وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، أمس، مشددا على أن «ثمة صعوبة في التوفيق بين توفير المعلومة وسرية الأبحاث والخوف من المساس بحسن سيرها، لكن الظرف يجعلنا مجبرين على تقديم معلومات تم تحريها بعيداً عن التجاذب السياسي». وقال الوزير، وهو اول قاض يتولى حقيبة الداخلية في تاريخ تونس، «إن من اقترف عملية الاغتيال شخصان على دراجة نارية وأثبتت التحريات أن الشخصين المذكورين قد ترصّدا البراهمي قبل أيام وحاما حول منزله وان السلاح المستعمل مسدس نصف آلي عيار ٩ سنتيمتر ونفس قطعة السلاح التي اغتيل بها شكري بلعيد». وأضاف بن جدو، في مؤتمر صحافي، «كما تأكدنا من المعلومات الأمنية أن الضالع في الاغتيال هو المدعو بوبكر الحكيم، وهو عنصر سلفي متشدد تكفيري سبق أن تورط في ادخال أسلحة الى تونس»، مشيراً الى أن الأبحاث مع العنصر الرابع في اغتيال بلعيد، والذي تم القبض عليه منذ أيام، أكدت ضلوع الحكيم في اغتيال بلعيد ليكون العدد الإجمالي لقتلة بلعيد ١٤ شخصاً». ومن بين الأسماء المشاركة في عملية اغتيال بلعيد، ذكر الوزير اسم علي الحرزي المتهم في اغتيال السفير الأميركي في مدينة بنغازي الليبية. وكانت السلطات الليبية قد سلمته إلى الحكومة التونسية وتم الإفراج عنه في ما بعد. وأن قاتل البراهمي مطلوب دولي وهو من أكثر العناصر خطورة في المتشددين.
البراهمي وبلعيد مسيرة واحدة واغتيال واحد، فبين الشهيدين أكثر من نقطة التقاء حتى في ملامح وقسمات الوجه؛ كلاهما يحمل شاربين يذكّران بشاربي الزعيم السوفياتي الراحل جوزف ستالين، وكلاهما منحدر من مدينة داخلية مُهمّشة وفقيرة. بلعيد من أرياف مدينة جندوبة في الشمال الغربي المعروفة بأنها من أكثر جهات البلاد فقراً. والبراهمي من أرياف سيدي بوزيد في الوسط الغربي التي ترتفع فيها نسبة الفقر وتعاني من التهميش، وقد كانت شاهدة على انطلاق الانتفاضة التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي، كما عُرِفت بأنها من أكثر الجهات ولاءً للفكر القومي؛ خرج منها مناضلون قوميون تم إعدامهم في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة. وهي مدينة معروفة بمحافظتها.
وإذا كان بلعيد ينحدر من العائلة اليسارية، فإن انحدار البراهمي من العائلة الناصرية لم يمنع التقاءهما، فهما ينحدران أيضاً من الحركة الطلابية ولم يعرفا النضال السياسي في عهد بن علي إلا في الإطار السري، أو في إطار الحركة الحقوقية والنقابية. كان الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الحقوقية، مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، هي المأوى لكل الغاضبين الذين ضيّق عليهم نظام بن علي هوامش النشاط السياسي. كما يلتقي الشهيدان في كونهما لم يتعاملا مع نظام بن علي بأي شكل من الأشكال وقد كان شعار الحركة الطلابية التي ينتميان إليها «القطيعة السياسية والتنظيمية مع النظام»، لذلك فإنهما لم يبرزا كزعيمين إلا بعد الثورة التي أطاحت النظام السابق. ويلتقيان أيضاً في التأسيس؛ شكري بلعيد أسس حزب الوطنين الديموقراطيين ووحده مع فصائل يسارية أخرى ثم أسس ائتلاف الجبهة الشعبية. والبراهمي أسس حركة «الوحدويين الناصريين» ثم حركة الشعب ثم التيار الشعبي.
وكان التقارب بين الوطنيين الديموقراطيين وحركة الشعب، الذي انتهى بالتحاق البراهمي بالجبهة الشعبية، يتم من خلالهما. كذلك كانا من أكثر الأصوات ارتفاعاً في نقد حركة النهضة والترويكا وفضح ارتهانهما للإمبريالية العالمية.