القاهرة ــ الأخبار انطلقت صفارة البداية، فأنزل المتصارعان جنودهما الى الأرض. إنها معركة كسر عظم بين الإخوان والجيش، فمن سينجح في ليّ ذراع الآخر؟ الإخوان اعتمدوا على التحشيد الديني، فيما تسابقت التيارات الثورية والسلطة الانتقالية الى مبايعة الجيش، وكأنها تريد أن تشد على يديه كي يضرب الجماعة بيد من حديد، حتى أن الوسائل الإعلامية أعلنت تعليق مسلسلات رمضان من أجل التفرغ لمليونية عبد الفتاح السيسي.
المؤتمر الصحافي الذي اجتمعت عليه هذه التيارات لتعلن مبايعتها للجيش ودعوتها إلى التظاهر اليوم تلبية لدعوة وزير الدفاع، إضافة الى تصريحات اركان السلطة الانتقالية، تعكس احتقانا عميقا لدى هذه القوى من حكم «الإخوان»؛ فهي لم تكتف بإسقاطه، بل تريد الى الذهاب أبعد من ذلك، وترغب في إقصائه كلياً عن المشهد السياسي وكسر شوكته. رغبة تعكس عمق الشرخ الأهلي الذي اصاب المجتمع المصري، خلال عام من حكم الجماعة التي تبدو ماضية في التحديث مهما كان الثمن.
وفي جميع الأحوال، فان الأنظار تنشدّ اليوم الى ساحات مصر وميادينها، حيث ستحتضن مليونيات متضادة، في وقت أصدر فيه الجيش بيانا حمل عنوان «الفرصة الأخيرة»، اكد على أن الحملة الأمنية ستبدأ فور انتهاء المليونية الداعمة لموقف الجيش في محاربة ما سماه «الارهاب الأسود».
ووسط استعدادات أمنية واسعة لتأمين تظاهرة «لا للارهاب» تلبية لدعوة قائد الجيش، أصدرت القوات المسلحة بياناً على صفحتها الفايسبوكية، قالت فيه إن دعوة القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الاحتشاد في ذكرى غزوة بدر لها دلالات وتعني أن القائد الأعلى «أعطى مهلة أخرى لمدة (48) ساعة للتراجع والانضمام إلى الصف الوطني»، وهي «تأكيد على أن ثورة (30 يونيو) هي إرادة شعب وليست انقلاباً عسكرياً» و«التأكيد على أن القوات المسلحة على قلب رجل واحد» وأن «كافة المخططات باتت مرصودة»، وأهم أن «القيادة العامة للقوات المسلحة وفور انتهاء فعاليات الجمعة سوف تغير استراتجية التعامل مع العنف والإرهاب الأسود». ما يعني أن الحملة الأمنية الموعودة ستنطلق فور الانتهاء من التظاهرة، وغداً يوم آخر.
مع ذلك، أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد محمد احمد علي أن دعوة وزير الدفاع للمصريين الى التظاهر لتفويضه في مواجهة «الارهاب» ليست «تهديدا لاطراف سياسية بعينها»، في اشارة الى الاخوان المسلمين، «بل جاءت كمبادرة وطنية لمواجهة العنف والإرهاب».
في غضون ذلك، واصلت الجهات السياسية سباقها لمبايعة السيسي، حيث حذر مجلس الدفاع الوطني المصري، الذي يضم خصوصا الرئيس المؤقت عدلي منصور ورئيس الوزراء حازم الببلاوي ووزير الدفاع وعددا من القيادات العسكرية، من أن «الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها وفى إطار من سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان لن تسمح لأحد بترويع مواطنيها أو حمل السلاح في وجه الدولة والمجتمع أو اشاعة الإرهاب لفظاً أو فعلاً أو محاولة ابتزاز المواطنين أو ارتهان المجتمع أو تبديد السلم والأمن الداخليين»، في اشارة الى تظاهرة «الفرقان» التي يسيرها الإخوان اليوم..
بدوره، قال وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، إن جماهير الشعب المصري التي ستخرج تلبيةً لنداء السيسي ستكون تحت مظلة أمنية كاملة، وإجراءات تأمين لصيقة من قبل أجهزة الشرطة والقوات المسلحة. وكانت التعزيزات الأمنية قد بدأت بالانتشار قبل يومين لتأمين التظاهرات.
وفي الاتجاه نفسه، اكد رئيس الوزراء أن الدولة مسؤولة عن كل أبنائها سواء في «رابعة العدوية» أو «التحرير»، مشيرا الى أن «الدعوة إلى التظاهر أبعد ما تكون عن التناحر أو المواجهة». وتابع «نحن أبناء ثورة 25 يناير، التي كان سلاحها السلمية، ولو أساء متظاهرو «التحرير» أو «رابعة» للسلمية سيتم تطبيق القانون».
وفي السياق نفسه، كتب وزير الخارجية، عصام شرف، على صفحته الفايسبوكية: «نحن في موقف يصبح فيه الحياد حيوداً والفرجة فجوراً، انزل من أجل الوطن أو تنازل عن الوطن». كما عقدت التيارات السياسية مؤتمراً صحافياً، دعت فيه الجماهير الى الاستجابة لدعوة السيسي، والى طرد السفيرة الأميركية آن باترسون، ووضعت خريطة طريق للمسيرات التي ستنطلق عصراً في مختلف التظاهرات، مشيرة الى أن «الإخوان» رفضوا دعوات المصالحة، وأنه «لا تصالح مع الإرهاب».
في غضون ذلك، طالب اتحاد النقابات المهنية أعضاءه وجميع المصريين بالمشاركة في تظاهرات تفويض الجيش، دعما للقوات المسلحة في مواجهتها للإرهاب، مؤكدا ترحيبه التام بخطاب السيسي، الذي أعاد فيه مفهوم «القائد العسكري الوطني» مثله في ذلك «مثل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والفريق عبد المنعم رياض، والزعيم أحمد عرابي».
في ظل هذه المواقف، خرج رئيس الحكومة السابق هشام قنديل، بتسجيل مصور ليعرض مبادرة لتسوية الأزمة. وقال: «هذه مبادرة طرحتها على الأطراف المختلفة وأطرحها أمام الرأي العام المصري حتى نستطيع أن ننقذ هذا الوطن»، معدداً نقاطاً تشمل الإفراج عن المعتقلين بعد 30 يونيو وتجميد القضايا وزيارة وفد لمرسي للاطمئنان إليه والتهدئة الإعلامية، واستفتاء على «ما حدث من انقسام». وأضاف في رسالته: «لقد عاهدت نفسي ألا أتحدث إلى الإعلام بعد تقديم استقالتي والتي أعلنت فيها موقفاً واضحاً، أن ما حدث في ٣٠ يونيو هو انقلاب واضح مكتمل المعالم».
وفي موقف لافت، أعلن صندوق النقد الدولي أنه لن يجري محادثات مع مصر بشأن قرض محتمل بقيمة 4.8 مليارات دولار حتى تحظى الحكومة المؤقتة في البلاد باعتراف من المجتمع الدولي.
وأكد نائب المتحدث باسم صندوق النقد، وليام موراي، أن الصندوق ليس على اتصال مع الحكومة الحالية في مصر باستثناء اتصالات بين المسؤولين الاداريين على المستوى الفني. وقال «انها قضية تتعلق بالمجتمع الدولي. ان تتقدم مؤسساته ودوله معا وتعترف بحكومة معينة. ذلك ينطبق على كل الدول». وأضاف «وحتى يحدث ذلك وحتى يتخذ اعضاء الصندوق قرارا بشأن الحكومة المصرية فاننا سنبقي على اطارنا الفني (الاتصالات على المستوى الفني)».
على مستوى المواقف الدولية، أعربت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جينيفر بساكي عن القلق الكبير حيال ما يجري في مصر، مضيفة «نخشى ان يؤدي ذلك الى اعمال عنف جديدة»، مشيرة الى مخاوف من «مواجهات تعرقل اي امكانية للمصالحة».