ذهبت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في مقال نشرته الى القول ان «آلاف الشبان الفلسطينيين حصلوا على تصاريح لدخول الأقصى وبدلاً من هذا ذهبوا يركضون خلف بنات شاطئ تل أبيب».
ليس بغريب على الصحافة الإسرائيلية تناول المواضيع بعنصرية نازية. ربما أرادت الصحيفة من هذا خلق هوة عنصرية بين فلسطينيي الداخل المحتل وفلسطينيي الضفة الغربية، وربما أرادت الإشارة إلى أن الفلسطينيين لا يملكون دوافع دينية ووطنية حقيقية، أو ربما أرادت مجرد نقل خبر بموضوعية. إلا أن هذا الاحتمال الأخير بعيد كل البعد عن كاتب المقال.
إن آلاف الشبان الفلسطينيين الذين اخذوا تصاريح وذهبوا «يتسكعون» على الشاطئ المحتل، هم بشر يتشاركون نفس الطبائع الإنسانية مع كل سكان العالم، وهم ذاتهم يشرب بعضهم الخمر ويذهب آخرون إلى الملاهي الليلية، وربما يكونون هم أنفسهم أيضا من تصدى لجيشك عند كل عملية اجتياح للضفة الغربية. تناسى الكاتب لسبب ما (ربما لخلاف مع منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية الذي قرر السماح للفلسطينيين بتصاريح زيارة تشمل كل الأراضي المحتلة ما عدا إيلات خلال شهر رمضان) الربع مليون فلسطيني الذين أدوا صلاة الجمعة الأسبوع الماضي في المسجد الأقصى، والمئتي ألف فلسطيني في الجمعة التي سبقتها. كما صرف النظر عن حالات الاختناق اليومية في المسجد وانتظار جدتي لأربع ساعات متواصلة على معبر قلنديا (المؤدي للقدس) لاجتياز الحاجز الحديدي بعد فحص دقيق وتنكيل بالكبار والصغار قبل الدخول لاداء الصلاة.
فليتذكر كاتب المقال، ان للحكومة الاسرائيلية هدفاً اقتصادياً في المقام الاول من اعطاء تصاريح زيارة للفلسطينيين. فهي تريد رفد السياحة بعائدات «سياحة» الفلسطينيين (في ارضهم المحتلة)، كما لديها هدف آخر: تضييق الخناق على التجار منهم في الضفة الغربية الذين ينتظرون فترة الأعياد لكسر حالة الجمود الاقتصادي هنا. ومن وجهة نظري، لإسرائيل هدف استراتيجي بعيد المدى تعمل من خلاله على البرهنة للفلسطينيين أن الاراضي المحتلة عام 1948 لم تعد خاصتهم، فالساحل يتكلم العبرية فقط، وفي كل متر مربع من شوارع القدس القديمة ترى سكناجياً يهودياً بقبعة سوداء وسوالف يجر فيها اطفاله ويمشي واثقاً كأنه صاحب البلاد فهو فيها متنُ النص، وأنت يا فلسطيني مجرد هامش.
رغم هذا كله، مقابل الآف رواد الشواطئ للتسكع هناك عشرات الآلاف من رواد الشواطئ لاستنشاق هواء بحر فلسطين على طوله، وهناك عشرات الآلاف ممن جاءوا لزيارة الأهل في الداخل المحتل، وهناك مئات الآلاف ممن تسللوا بتصريح دخول أو خلسة لاداء الصلاة في المسجد الأقصى وزيارة كنيسة قيامته. ومن هنا ادعو كاتب المقال إلى التحليق في طائرته العسكرية يوم الجمعة اليتيمة (الجمعة الأخيرة في رمضان) فوق المسجد الأقصى لرصد عدد الفلسطينيين هناك وتنقيح مقالته من جديد.
يبقى القول أني وكغيري من ملايين الفلسطينيين لم أقدم طلباً للحصول على تصريح زيارة من الحكومة الإسرائيلية لدخول أرضيَ المحتلة، وكغيري من آلاف الفلسطينيين سأقوم ــ في كل مرة أرغب فيها بزيارة الأقارب أو الصلاة أو حتى استنشاق هواء الجليل ــ بالتسلل من خلال جدار فصلكم العنصري، وسنقوم برسم تضاريس المكان بكامل غيابه بعيداً عن نادلة ملهاكم الليلي الروسية.. سنرقص، ونفرح، ونتبادل تحية صباحية ساخنة كرغيف أجادت خبزه أم سليمان منذ 23927 يوماً قبل أن تطرد من بيتها في الجاعونة شرق صفد.