القامشلي | لم يكن خافياً على زائر ريف القامشلي الجنوبي سيطرة الكتائب الإسلامية المتشددة خلال الأشهر الأخيرة على مساحة واسعة من منطقتي تل حميس وتل كوجر، على الحدود العراقية. معظم الكتائب، كانت تدير آباراً نفطية في القرى الواقعة خارج سيطرة وحدات الحماية الكردية (YPG)، وتمرّ عبر بعض حواجز الأكراد دون مانع. الجديد كان إغلاق الأكراد حواجزهم في وجه «الكتائب»، التي، من جانبها، أجابت بإرسال رتل عسكري مؤلف من أربع سيارات وحاصرت منزل مقاتل في الـ(YPG)، واعتقلته مع شقيقه.
في الرابع عشر من الجاري، حرّكت وحدات الحماية الكردية قوات كبيرة في جنوب مدينة «رميلان» النفطية، وسيطرت على نقاط عسكرية تابعة لـ«جبهة النصرة» المتشددة في ريفي تل حميس وتل كوجر من دون إطلاق رصاصة واحدة. وخلال وجود «الأخبار» في خيمة قياديي (YPG) ظهيرة السادس عشر من الجاري، تلقى قائد العملية اتصالين هاتفيين خلال ساعة، تبين لاحقاً، أن الأول من مدينة رأس العين (سري كانيه)، يفيد بتعرض تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لدورية كردية وتمكنها من أسر مقاتل كردي. والثاني من جل آغا (الجوادية) يفيد بمهاجمة «النصرة» حاجزاً، وإصابتها 4 من عناصر YPG.
في اليوم التالي، أعلن الأكراد سيطرتهم على كامل رأس العين. تزامن ذلك مع فتح جبهة ساخنة في الريف الجنوبي لمدينة القامشلي، تمكّن خلالها الأكراد من ليّ ذراع «جبهة النصرة» التي ساندتها كتائب إسلامية عدة. ومنذ 5 أيام، يشهد محيط بلدة «تل كوجر» على الحدود مع العراق معارك عنيفة، قتل خلالها أكثر من 50 عنصراً من «النصرة»، بينهم «أميران»، وكلاهما أجانب، وفق قياديين ميدانيين، أكدوا، أيضاً، مقتل 12 مقاتلاً كردياً، بينهم قائد وحدة عسكرية. كما أحرقت وحدات (YPG) أكثر من 7 آليات عسكرية، بينها عربات «دوشكا»، واستولت على مدافع «هاون» في قرى تل علو والجندية وسويدية.
ونشرت وحدات (YPG) أكثر من 25 نقطة عسكرية في منطقة المواجهات. وللمرة الأولى، استخدم المقاتلون الأكراد أسلحة متوسطة، محلية الصنع، لم يَختبرها سوى جنود الجيش التركي خلال مواجهاتهم مع حزب العمال الكردستاني. ونفذت (YPG) عمليتين نوعيتين ليلي الخميس والجمعة الفائتين، بعد قطعها التيار الكهربائي عن كامل المنطقة، وبحسب القيادي الكردي «قُتل خلالهما نحو 30 إسلامياً»، بينهم مقاتلون أجانب.
ولفت القيادي في تصريح لـ«الأخبار»، الى أنهم سيطروا على مساحة واسعة، وقطعوا معظم طرق الإمداد عن الكتائب الإسلامية. وبعد سيطرة الأكراد على حاجز مطحنة «الحوارات» ومحيط قرية تل علو وكرهوك وعلي آغا، لجأ عناصر «النصرة» إلى محطة صوامع «تل علو» التي تبعد نحو 6 كلم عن تل علو. وتعد المحطة مركزاً مهماً بالنسبة إلى التنظيم المتشدد، حيث يتحصّن فيه عدد كبير من عناصر الجبهة.
ولا يبعد الأكراد سوى بضعة كيلومترات عن مدينة تل كوجر (اليعربية) المحاذية لمعبر «ربيعة» العراقي. وفي سؤال لـ«الأخبار» عن نية الأكراد السيطرة على المعبر الحدودي، أفاد قيادي عسكري كردي، يعرف باسم «شرفان»، بأنهم «سينفذون الأوامر فقط». وأضاف: «إذا أمرتنا القيادة العليا بالسيطرة على المعبر فسنحصل عليه». وكانت وسائل إعلام قد نقلت عن مصدر مقرب من «النصرة» إعلان مسؤولها في المنطقة الشرقية النفير العام. تزامن الإعلان مع تفجير انتحاري على بعد 200 متر من مقر (YPG) في مدينة «جل آغا»، من دون وقوع خسائر. كما أسرت الجبهة مدنيين أكراداً بهدف عقد صفقة تبادل مع عناصرها. واعتقلت الخميس الفائت 16 طالباً كردياً، بعدما أوقفت حافلة الطلبة على طريق حلب _ تل تمر. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، أسرت الوحدات الكردية في رأس العين وتل كوجر حتى اللحظة نحو50 عنصراً من «النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وفيما يشهد مقرّا جبهة النصرة في «تل حلف» و«أصفر نجار»، نحو 3 كلم غربي رأس العين، مواجهات عنيفة، انتقلت النار إلى مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، والتي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية المتشددة. وأعلنت الكتائب حالة استنفار بعد وضعها حواجز عسكرية واعتقالها مدنيين أكراد. فأجابت وحدات YPG بأسر 4 عناصر من «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قرب تل أبيض، بينهم أميرهم المعروف باسم «أبو مصعب». ما أدى إلى تفجر الوضع، وبدء المواجهات العنيفة بين الكتائب الإسلامية ولواء جبهة الأكراد (مقرب من الـ YPG ويقاتل تحت لواء الجيش الحر).
وأفاد مصدر طبي من تل أبيض «الأخبار» بمقتل 8 من الإسلاميين المتشددين وجرح 5 آخرين، فيما سجلت 4 إصابات في صفوف الأكراد. ونفذت الكتائب حملة اعتقالات طالت عشرات المدنيين الأكراد خلال فرارهم من المدينة. في المقابل، وصلت قوة من الـ(YPG) إلى قرى قريبة من تل أبيض.
وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض، أفرج «لواء جبهة الأكراد» عن أمير «الدولة الإسلامية». وقال مصدر في «لواء الأكراد»، إنّ الإفراج جاء بعد وساطة من الكتائب المقاتلة، على أن يتم الإفراج عن مئات المدنيين الأكراد، الذين اعتقلتهم «الدولة الإسلامية»، وهم أهالي مقاتلي لواء جبهة الأكراد. وأضاف: «الكتائب المقاتلة الأخرى في المدينة قاتلت يوم أمس وفجر اليوم مع الدولة الإسلامية ضدهم». وتزعم وسائل إعلام مقربة من الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا (PYD) نقلاً عما وصفته بمصدر موثوق من داخل البوابة الحدودية في تل أبيض، أنه منذ يومين أرسلت «الدولة التركية شحنة من مختلف أنواع الأسلحة بأربع سيارات» إلى تل أبيض «وتم توزيعها على المجموعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة داخل المدينة». واللافت أن الكتائب وجدت صعوبة في إرسال الدعم إلى رأس العين خشية فتح الأكراد جبهة منطقة كوباني، المحاذية لمدن يسيطر عليها المتشددون كالرقة وتل أبيض وجرابلس، علماً بأن وحدات (YPG) في كوباني لم تطلق رصاصة واحدة منذ بداية الاحتجاجات في سوريا.
وفي الأثناء، بدأ الجيش السوري منذ يومين بقصف أحياء الغويران والزهور «حوش الباعر» والنشوة الغربية، بعد دخول كتائب إسلامية إليها. كما تحاصر كتائب قادمة من منطقة الشدادي، التي تبعد60 كيلومتراً جنوبي الحسكة، جبل كوكب (حوالى 10 كلم شرق المدينة) وهو مقر استراتيجي لقوات الجيش السوري. كما تحاصر كتيبة المدفعية في قرية الميلبية، التي تبعد 15 كيلومتراً جنوب الحسكة.