رام الله | ... وفي الزيارة السادسة للمنطقة، نجح وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس في أن يحقق اختراقاً في الوقت الضائع، على عكس كل التوقعات، معلناً، عقب عودته من رام الله لعمان، أن الفلسطينيين والإسرائيليين اتفقوا على وضع أسس لاستئناف المفاوضات في واشنطن. وكانت زيارة كيري لرام الله، للقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، محلّ شك أمس. الترجيحات كانت تشير إلى أن لقاءه بأبو مازن سيعتمد على نتيجة اجتماعاته مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الذي غادر إلى الأردن في وقت مبكر أمس، وعقد اجتماعين مطولين مع كيري، ناقلاً إليه خلالهما موقف القيادة الفلسطينية من مقترحاته الأخيرة.
كيري التقى عباس عصراً، بعدما أجرى مشاورات هاتفية في عمان استمرت أربع ساعات مع مسؤولين اسرائيليين وفلسطينيين، قبل أن يعود مسرعاً إلى العاصمة الأردنية ويعلن أن الفلسطينيين والاسرائيليين أرسوا الأساس لاستئناف محادثات السلام بعد توقف دام نحو ثلاث سنوات.
وقال كيري للصحفيين: «توصلنا لاتفاق يضع أساساً لاستئناف المفاوضات المباشرة بشأن قضايا الوضع النهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين»، مضيفاً أن «الاتفاق ما زال في مرحلة التبلور»، رافضاً الكشف عن أي تفاصيل اضافية.
وأشار إلى أنه «اذا سار كل شيء كما هو متوقع فسوف تستأنف محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية مبدئياً في واشنطن».
في هذا الوقت، قالت وزيرة القضاء، المكلفة ملف التفاوض مع الفلسطينيين، تسيبي ليفني، على صفحتها على الفايسبوك «كانت أشهراً طويلة من التشكيك والاستخفاف، لكن الآن، أربع سنوات من الجمود السياسي على وشك أن تنتهي. بهذه المناسبة أنا أعلم أن المفاوضات ستكون معقدة وغير سهلة منذ اللحظة الأولى، لكنني مؤمنة من كل قلبي أن هذا هو الخيار الأمثل بالنسبة إلى مستقبلنا، أمنيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً. لا بد من تقديم التقدير لرئيس الوزراء الذي اتخذ القرارات المناسبة لمصالح إسرائيل، وأيضاً التصميم الكبير من وزير الخارجية الأميركي الذي أدى إلى جمعنا نحن والفلسطينيين على مائدة المفاوضات، بداخل غرفة المفاوضات سنحافظ على مصالح إسرائيل الوطنية والأمنية، بصفتها دولة يهودية ديموقراطية، أنا أتعهد بذلك».
وكانت وسائل الإعلام قد تداولت أنباء عن وجود «عرض مغرٍ» من كيري هذه المرة، يتضمّن وقفاً تاماً للاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية لمدة ثلاثة أشهر، تستأنف إثرها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ريثما يحصل التوافق بين الجانبين على حلول دائمة، والموافقة على الإفراج عن نحو 100 أسير فلسطيني على دفعات دون تحديد هوياتهم، وتقديم بوادر حسن نية للجانب الفلسطيني في المناطق المصنفة «ج»، تتضمن السماح بالبناء في عدة مناطق قريبة من مدن فلسطينية رئيسية، بالإضافة إلى إقامة مشاريع اقتصادية في الأغوار وفي منطقة جنين شمال الضفة الغربية، وفتح حواجز عسكرية وطرقات لتسهيل حركة الفلسطينيين.
وأكد مسؤول إسرائيلي أن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين - اذا استؤنفت - فستستغرق شهوراً. وأضاف: «نتحدث عن شهور لضمان أن تكون العملية مجدية وشاملة وسيتجاوز الأمر شهر أيلول».
وكان اجتماع القيادة الفلسطينية مع فصائل منظمة التحرير قد خلص بالأمس إلى «مطالبة إسرائيل بقبول حدود 1967، ووقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، واعتبار ذلك أساساً للعودة إلى المفاوضات التي توقفت منذ تشرين الثاني 2010»، وبناءً عليه قرّر القادة المجتمعون إرجاء استئناف المفاوضات إلى حين الاستجابة إلى الشروط الفلسطينية، وأفضى الاجتماع إلى تشكيل لجنة من كل القوى الوطنية والفصائل السياسية لصياغة موقف فلسطيني واضح بشأن متطلبات العودة للمفاوضات.
في غضون ذلك، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف «للأخبار» إن «معظم الفصائل والتنظيمات الفلسطينية التي اجتمعت مع القيادة بالأمس رفضت خطة كيري». وأضاف أن «الاجتماع تطرّق إلى ثلاثة محاور رئيسيّة، أوّلاً تم التوصل إلى أنه لا إمكانية للعودة إلى المفاوضات دون أن تكون هناك مرجعية واضحة للمفاوضات تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، بما فيها وقف الاستيطان غير الشرعي والقانوني في الأراضي الفلسطينية، ثانياً، كان الحديث عن أنه يتعيّن على الإدارة الأميركية جلب اعتراف واضح أن أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تجري على أساس حدود عام 1967. الموضوع الثالث كان ينصب حول اقتراح كيري إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً، بمعزل عن أسرى ما قبل أوسلو القدامى، حيث سيتمّ التعاطي مع ملفّاتهم خلال المفاوضات، وهذا لا يلبّي الشروط الفلسطينية».
وبناءً على ذلك، بيّن أبو يوسف أن «الجميع حسم أن الخطة الأميركية لا تستجيب للمتطلبات الفلسطينية، لذلك شُكِّلت لجنة مصغرة اجتمعت بعد الإفطار في التاسعة مساءً حتى ساعة متأخرة من الليل، وجرى التوصل إلى أن موضوع العودة إلى المفاوضات يحتاج إلى أن يجلب كيري من حكومة نتنياهو مواقف واضحة من موضوع الحدود، أو الاستيطان، بالإضافة إلى موضوع الأسرى».
وعمّا حمله كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، في جعبته لدى لقائه كيري، قال أبو يوسف إن «عريقات حمل رسالة جليّة بأن الحديث عن العودة إلى المفاوضات يحتاج إلى مواقف واضحة من الحدود أو الاستيطان، أو الأسرى، من قبل حكومة نتنياهو، وهذا ما قام به وزير الخارجية الأميركي من خلال الاتصالات المكثفة مع الجانب الإسرائيلي».
من جهة ثانية، ذكرت صحيفة «معاريف» أن نتنياهو تعهد لوزرائه الرفيعي المستوى، أنه سيرفض عرضاً اميركياً يتضمن ذكراً لمسألة حدود عام 1967، لكنه اقترح صيغة تستهدف استئناف المحادثات السياسية على اساس خطابات الرئيس الأميركي باراك اوباما دون ذكر حدود عام 67 مباشرة. لكن الصحيفة لفتت إلى أن اوباما ذكر في هذه الخطابات هذه الحدود، وأشار في المقابل إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
ضمن هذا الإطار، اجرى اوباما اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء الاسرائيلي، حثَّه خلاله على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، بحسب ما صدر عن البيت الابيض.