غزة| كلّ يوم تصحو غزة على وقع أصوات جرافات مصرية تجتثّ رمز حياة أهلها «الأنفاق»، وتغمض جفونها على وقع أصواتٍ عنيفة أشبه بحربٍ مجنونة على البقاع المتاخمة للحدود المصرية الفلسطينية. هناك، ساحات حرب مفتوحة بين الجيش المصري وجماعاتٍ مسلحة تبدو أنها تكفيرية بامتياز؛ فلا يغيب مشهد القتل من الطرفين عن شبه جزيرة سيناء يوماً واحداً، بعدما نجح المصريون في إسقاط حكم الإخوان المسلمين، ولا يتوقف معه عرض فيلم شيطنة الغازي وتحميله مسؤولية كل الانفلات الأمني والعبث بحياة الجيش المصري على شاشات مصرية معارضة للإخوان. ولا تخف كذلك حدّة الانتقاد لحاكم غزة، الذي أمعن الجيش المصري والإعلام في إقناع الفلاح المصري البسيط بأنه الإرهابي القاضي على الأخضر واليابس بأرضه المصرية الخصبة، ليدفع بالنهاية الفلسطيني ثمن كل ذلك. بعد تاريخ الثالث من الشهر الجاري، ازدادت العلاقة سوءاً بين «حماس»، بصفتها الحاكمة والمقاومة في الآن ذاته، وبين المنظومة الأمنية والعسكرية المصرية، فدفع الجيش المصري بآلياته ومدرعاته ودباباته إلى الحدود، عدا عن الجرافات والحفارات التي لا يتركها أصحابها ولو ساعة واحدة دون عملٍ في الأنفاق، حتى قيل إنها تمكنت من تدمير 80 في المئة منها، بما فيها 23 مضخة وقود كانت تختبئ داخلها. هذه الأنفاق ليست مجرد حبلٍ سريّ تمد أهل القطاع المحاصر بالمواد التموينية والوقود، بل تغذيهم بالأسلحة والصواريخ التي تعدّ بالنسبة إليهم خبز حياتهم الحقيقي. ويرى المراقبون أن هذه الأيام أثبتت أن الجيش المصري أتقن لغة التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي لاقتلاع جذور المقاومة من غزة، ما ينذر بمستقبل حالك السواد لحماس والجهاد الإسلامي على وجه التحديد. وأكل الخوف وجوه كثير من الغزيين الذين باتوا يشعرون بأن الحرب ستقرع طبولها مجدداً، بعد أن تضمن إسرائيل انكسار شوكة المقاومة وضعف إمداداتها، عبر التنسيق الدائم بينها وبين الجيش المصري المستمر في تدمير الأنفاق والتحليق في أجواء مدينتي خان يونس ورفح بقطاع غزة.
إن التوتر الفعلي القائم بين الجيش و«حماس» يفتح الباب على احتمالاتٍ كثيرة، ليس أحدها أفضل من الآخر، فبعدما وجهت شخصيات عسكرية رفيعة المستوى أصابع الاتهام لـ«حماس» بدعمها تارةً الجماعات الإرهابية المتطرفة في سيناء، أو بإرسال صواريخ «غراد» إلى جماعتهم الأم في القاهرة تارةً أخرى، من أجل السيطرة على مصر وتحويلها الى فلسطين ثانية كما يرّوج البعض، أصبح هناك اقتناع بأنه لا عودة إلى عهدٍ رسم معالم الحب والارتباط التاريخي والجغرافي بين فلسطين ومصر، فضلاً عن اعتقادهم بأن الأيام المقبلة ستحسم أمر الحصار ليصل إلى ذروته؛ فسياسة «القطارة» ستفرض ذاتها على معبر رفح البري، فلا حرية في التحرك من وإلى غزة إلا وسط تشديدات أمنية مصرية تفوق تشديدات الاحتلال عند حاجز «إيريز» شمال القطاع، ولا رغبةً بالفلسطينيين المقيمين في مصر حتى دقت ساعة الرحيل عند بعضهم.
في هذه الوقت، لا مجال للشعور بالأمان في غزة، ولا ملامح جليّة عن نية الجيش المصري تخفيف حجم عملياته العسكرية، التي لا تتناغم بالمطلق مع مساحةٍ فلسطينية صغيرةٍ مكتظّة بالسكان؛ فقد أخلى الاحتلال مواقعه الحدودية مع غزة من الجنود واستبدلها بأجهزة إلكترونية متطوّرة لمتابعة ورصد كل التحركات على مدار الساعة خشيةً من فتح جبهة حرب جديدة معها، تنطلق هذه المرة من سيناء، إضافةً إلى نشر وحدة إسرائيلية خاصة لمكافحة أوكار «الإرهاب»، التي تهدد المصالح الإسرائيلية والمصرية في الوقت نفسه، في سيناء، عدا عن تحقيق الاحتلال ما يطلبه الجيش المصري منه على الفور، فكان له ما أراد، وهو السماح له بإدخال كتيبتين من المشاة لسحق كل الجماعات الإسلامية بسلفييها وجهادييها وتكفيرييها. كلها مؤشرات تعزز ظن «حماس» بأن إسرائيل ستستفرد بها في الفترة اللاحقة، بعدما سقط كنزها الأساسي في مصر.
ومنذ «٣٠ يونيو»، انقطع جسر التواصل بين الفصائل الفلسطينية والمسؤولين المصريين، بحجة الانشغال بالأوضاع الأمنية الداخلية لترتيب البيت المصري قبل الشروع في ترتيب البيت الفلسطيني وإزاحة غيمة الحصار عن سماء قطاع غزة، وهو ما عنى عند كثيرين رفعاً للغطاء المصري عن القطاع وبدء عرض حلقات مسلسل دكّه وتضييق الخناق عليه. وفي هذا الخصوص، يقول المحلل السياسي عدنان أبو عامر لـ«الأخبار» إن هناك تناقضاً غريباً في طبيعة الحراك المصري القائم، يتمثل في تنسيق الجيش المصري مع الجانب الإسرائيلي لبحث الأمور اللوجستية والأمنية في سيناء، مقابل قطيعة شبه كاملة مع الأطراف السياسية الفلسطينية، وخاصةً على صعيد قطاع غزة، نظراً الى الاتهامات الكيدية ضدها. ويرى أن تحسن العلاقة بين غزة والجيش المصري مرتبط بالتطورات السياسية في الساحة المصرية، معرباً عن تخوفه من تضاعف حدة الحصار في ظل الزعزعة الأمنية التي تشهدها مصر.
في المقابل، لم تتهور كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، في التعامل مع كل الاتهامات والتهديدات المصرية المحيطة بها، فباشرت بنشر عناصرها منذ يوم الأحد الماضي على الحدود المصرية الفلسطينية كي تضمن عدم حدوث أي تجاوزٍ من غزة يؤكد تورّط الفلسطينيين في الصراع الدائر بين الإخوان ومعارضيهم، أو يمنح الاحتلال مبرراً لشنّ حرب جديدة. وسألت «الأخبار» الناطق الرسمي باسم «حماس» في غزة سامي أبو زهري، عن تصور الحركة للخروج من أزمة العلاقة بينها وبين الجيش المصري، فما كان منه إلا أن أقفل الهاتف من دون سبب، ولم يرد على اتصالات «الأخبار» المتكررة بعدها.

... وحجة جديدة للتناوش الحمساوي الفتحاوي

ولا يمكن بطبيعة الحال فصل الخلافات بين «فتح» و«حماس» عن أحداث الساحة السيناوية؛ فكلّ طرف يحاول توريط الآخر بحكاية تدريب وتمويل الجهات التكفيرية، التي تهاجم مراكز الشرطة ومقار الجيش المصري؛ فحاكم غزة يؤكد أن بحوزته وثائق تثبت ضخ القيادي السابق في «فتح» محمد دحلان مبالغ مالية ضخمة لمجموعات مسلحة في سيناء، مع طلب تركيز الهجمات على المدن القريبة من قطاع غزة، لاستفزاز الجيش المصري واستدراجه لشن عملية عسكرية واسعة في سيناء بموافقة صهيونية لتطويق قطاع غزة بالكامل وسحب معظم التسهيلات الممنوحة له ولأهله، فيما يؤمن الطرف الآخر الفتحاوي بأن «حماس» تدفع بعناصرها لاستهداف مقار الجيش في سيناء، للضغط عليه والعدول عن قرار عزل الرئيس محمد مرسي الذي يمثّل الشرعية من وجهة نظرها، بدليل أن القيادي الإخواني محمد البلتاجي توعّد باستمرار الهجمات العسكرية على الجيش المصري في سيناء حتى إرجاع مرسي.
بدوره، نفى رئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم المنيعي، في تصريحاتٍ لصحيفة «الرسالة» المقربة من «حماس»، الاتهامات الموجهة للحركة حول استهدافها لجنود مصريين، بدءاً من مقتل 16 منهم في شهر آب من العام الماضي، وانتهاءً بالفلتان الأمني الحاصل الآن. وأكد أن هذه الاتهامات مؤامرة تستهدف طبيعة العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، من أجل خلق صراعات جانبية تخدم الاحتلال الإسرائيلي، محمّلاً وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي مسؤولية قتل أرواح الجنود.
ويؤكد المحلل السياسي أبو عامر لـ«الأخبار» أن العامل الفلسطيني في الأزمة المصرية تم إقحامه عنوةً وبصورةٍ تفتقر الى الموضوعية، مشدداً على أنّه ليس بإمكان «فتح» أو «حماس» التأثير بهذا الشكل المهول على سيناء التي تعد منطقةً جغرافية معقدة للغاية بمساحتها الكبيرة (ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين) وبتضاريسها الصعبة كذلك، ومرجّحاً تدخل أطراف إقليمية ودولية في العبث بأمن سيناء.

... المتهم الفلسطيني!

أما عن زجّ اسم الفلسطيني بكل حدث تخريبي بمصر، فحدّث ولا حرج؛ فأهل غزة قتلوا المتظاهرين المعارضين للإخوان، وحرقوا مقار حزب «الوفد»، وأمدوا حلفاءهم الإخوان بأسلحة دمار شامل، كما نهبوا نصيب مصر من الوقود والتيار الكهربائي، حتى بات أغلب المصريين يتداولون هذه الأنباء. وفي هذا السياق، يقول أحد الشباب الفلسطينيين المقيمين في مصر لـ«الأخبار»، فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، «إن شرعنة التعامل مع الفلسطيني على أنه خطر أمني على مصر وثورتها، جعلته معرضاً طوال الوقت للخطر ولتلفيق أيّ تهمة». وحول أشكال الإساءة للفلسطينيين، يجيب: «أشكال الإساءة تنوعت بين الشتم والسب والضرب والاعتقال والترحيل والاستدعاءات، فيما كان أخطرها تلفيق الاتهامات التي تتماشى مع اتهام الإخوان وحماس بإعداد خلايا مسلحة»، مستشهداً في ذلك باعتقال 4 فلسطينيين في منطقة المقطم، وتصدير قضيتهم للإعلام باعتبارهم خلية مسلّحة تابعة لحماس، في الوقت الذي تم فيه احتجازهم لأيام قليلة بسبب انتهاء صلاحية تصريح الإقامة في مصر، ومن ثم ترحيلهم.
وأبدى الشاب تخوّفه من تحرك الجيش النشط على الحدود، وسماح الاحتلال له بإرسال كتيبتين من المشاة إلى سيناء لمواجهة المخاطر الأمنية، مؤمناً بأن كل هذه المعطيات ستساهم في تشديد الحصار على أهل غزة والمقاومة وخطوط إمدادها.
ورغم كل محاولات غزة للنأي بنفسها عن كل تعقيدات المشهد المصري الحالي، إلا أن التحريض ضدها يلتف حول رقاب سكانها من دون استثناء، وخاصة بعد قطع حلقة الاتصال بين حاكمها وحاكم مصر، لتصبح الصورة مظلمةً وقاتلةً إلى أبعد حد، ليكون لسان حال غزة يقول «الله يسترنا من اللي جاي».
كوت: تنسيق دائم بين إسرائيل والجيش المصري في تدمير الأنفاق والتحليق في أجواء غزة وخان يونس



إسرائيل تنصب بطارية قبة حديد قرب إيلات

نصب جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليلة أول من أمس، بطارية قبة حديد بالقرب من مدينة أم الرشراش «إيلات»، أقصى جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وذلك بالتزامن مع الأوضاع الأمنية في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي وتولي الجيش السلطة العليا في البلاد.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية إن تقارير وردت إلى الجيش يوم الأربعاء الماضي تحدثت عن مخاطر أمنية محدقة على الحدود مع مصر، بالتزامن مع عملية عسكرية يشنها الجيش المصري ضد ما يسميه «أوكار» الإرهاب في سيناء.
(الأخبار)