القاهرة | أنتجت ثورة تصحيح المسار الشبابية التي انطلقت في «٣٠ يونيو»، لاستكمال أهداف ثورة «٢٥ يناير» 2011 ، حكومة مصرية كهلة مكوّنة من 35 وزيراً، و3 نواب؛ أعمار وزرائها تبدأ من ٦٠ عاماً وتتخطى ٧٠ عاماً. تكنوقراط من غير الإسلاميين، حيث لا تمكين للشباب. عدة ملفات بانتظار الوزراء في الحكومة التي تشكلت من 7 قيادات من «جبهة الإنقاذ» و5 آخرين مستمرين من حكومة هشام قنديل، إضافة إلى كمال الجنزوري، الذي عيّن مستشاراً اقتصادياً للرئيس أمس. أهم هذه الملفات، بالنسبة إلى وزير الخارجية نبيل فهمي، هو موضوع سدّ «النهضة» الإثيوبي وإزالة التوتر فى العلاقات مع إثيوبيا، والعمل على إقامة علاقات صحية مع الدول العربية، ومنها سوريا ودول الخليج التي قاطعتها مصر تارة بشكل ضمني وآخر بشكل علني، وفتح صفحات جديدة مع آسيا وأميركا اللاتينية، خاصة الدول الرئيسة فيها، إلى جانب ملف المصالحة الفلسطينية وعملية السلام المتوقفة.
وبالنسبة إلى وزير الاستثمار أسامة صالح، يبقى ملف التصالح مع رجال الأعمال لاستعادة ثقة مجتمع الأعمال وعودة الاستثمار للنشاط هو الأكثر أهمية، فى ظل الانتقادات التي توجه من المعارضة والمنظمات الحقوقية لعدم شفافية عمليات التصالح، بينما ينتظر وزير التضامن الاجتماعي والشؤون الاجتماعية، أحمد البرعي، عدّة ملفات شائكة على مائدة وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، التي تغير مسماها في الحكومة الجديدة، الى جانب قرارات فورية عليه اتخاذها عقب حلفه لليمين، وأوّلها اتخاذ قرار بشأن جمعية الإخوان المسلمين التي تجري النيابة العامة تحقيقات بشأن حريق مقرها. وعليه أيضاً أن يتخذ قراراً في إعداد قانون للجمعيات الأهلية أو تعديل القانون الحالي بما يتوافق مع المرحلة الحالية، إضافة إلى ملف استرداد أموال صناديق التأمينات من وزارة المال. وكان البرعي قد قال عقب موافقته على تولّي الوزارة إن «عملية استرداد الأموال ستتم بعد حوار مجتمعي بين جميع الأطراف، وبما لا يكون عبئاً على الحكومة».
موضوع إعادة مصر إلى قوائم السياحة العالمية مرّة أخرى بعدما سبق أن خرجت بسبب انعدام الأمن هو أهم مهمات وزير السياحة هشام زعزوع، المستمر في حقيبته الوزارية منذ حكومة هشام قنديل، فيما تنتظر ملفات أزمات الطاقة والوقود بلهفة وزير البترول الجديد، خاصة بعد ما عانته البلاد من أزمات متكررة في هذا الشأن، وهو ما زاد من شعبية «30 يونيو».
ويعدّ وزير النقل أحمد سلطان نفسه لاستقبال النتاج والخسائر الكارثية لمحافل الاعتصامات في السكك الحديدية وقطع الطرق الذي انتاب البلاد في الآونة الأخيرة بشكل غير عادي.
ردود فعل متباينة على المستويين الشعبي والسياسي تجاه هذه الحكومة، التي انتقد البعض وجود وزراء من نظام حسني مبارك فيها مثل وزير المال. غير أن البعض الآخر وجدها متناغمة نتيجة توازن انتماءاتها الحزبية ووجود عدد لا بأس به من رجال الاقتصاد، وهو ما كانت تحتاج إليه مصر في هذه الفترة.
ورأى حزب «النور» السلفي أن «بعض الأسماء المطروحة للوزارة في الحكومة الجديدة تنتمي إلى تيار بعينه، بل كثير منهم له انتماء حزبي. وهذا تكرار للخطأ نفسه الذي كانوا يعيبونه على الحكومة السابقة، ويؤدي إلى مجيء حكومة غير محايدة على الإطلاق. والحزب عندما قبل التعامل مع خارطة الطريق، قبل أن ينسحب منها، لم يقبل أن يحل تيار مكان تيار آخر يسيطر على الحكومة التي ينبغي أن تكون محايدة تماماً وغير حزبية».
بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية أحمد عبد ربه، في حديث إلى «الأخبار»، أن التشكيل الوزاري هو «حكومة كهلة من كبار السن ولا أظنهم قادرين على فهم تعقيدات المشهد والموقف على الأرض، ووجود ثلاثة نواب لرئيس الوزراء يجعلني أجزم بأنه بعدما أصبح لدينا رئيس جمهورية بروتوكولي، فإن رئيس الوزراء أيضاً غالباً سيكون بروتوكولياً هو الآخر». وانتقد غياب تمكين الشباب ووصفه بالأمر المحبط، مطالباً الحكومة الجديدة بوضع معايير تمكين الشباب قبل فوات الأوان، وتحديد آلياته. وأضاف أن الدولة المصرية وأنظمتها السياسية المتعاقبة منذ ١١ شباط ٢٠١١ عاجزة عن «تدوير النخبة»، وهناك إصرار على الاستعانة بالوجوه القديمة في معظم المناصب، «وهنا المشكلة أعمق من أن تتحدث عن فلول الحزب الوطني أو عن وزراء اتُّهموا بالأخونة وعُينوا أخيراً، ولكن الاستعانة بتشكيلة متنوعة من النخب القديمة، فضلاً عن افتقادها عنصر الشباب، فإنهم هكذا يكونون محمّلين بفواتير معقدة للماضي ستكسر عينهم وقت اللزوم للأسف، ولن تجعلهم قادرين على الإنجاز حتى لو أرادوا».
وأكد عبد ربه أن «الوزارة تعمل في ظروف ليست فقط انتقالية، ولكنها انتقائية، فقد جاءت بعد تعطيل دستور مستفتى عليه شعبياً وآخر مؤقت أسوأ من إعلان ٣٠ آذار الشهير، فلا هي التي جاءت عن طريق انتخابات ولا هي التي ستكون تابعة لرئيس قوي واضح ومحدد الصلاحيات، ولا هي التي سيحاسبها برلماننا، ولا هي التي ستحتمي برئيس وزراء قوي مدعوم حزبياً أو حتى جماهيرياً».
وتوقع حدوث مجزرة في ظل غياب الإخوان عن الحكومة الحالية، قائلاً «الإخوان مصممون على أن يخرجوا بمظلومية تاريخية، والدم لديهم رخيص، وستتم مواجهتهم بعنف، لأن البلد لا يزال تسيطر عليه العقلية الأمنية».
عبد ربه انتقد استمرار وزارتي الإعلام والثقافة، داعياً إلى وضع خطة للتخلص منهما، «فنحن متخلفون عن العالم بعقود، وقد ولّى زمن احتكار الدولة توجيه رسائل إعلامية وثقافية للشارع»، إضافة الى وضع خطة محددة لآليات المصالحة الوطنية وعدم الإقصاء.